المعارضة البحرينية والفزاعة الإيرانية
محمد عبد اللطيف آل الشيخ
الجزيرة السعودية
تصعيد حكومة إيران إعلامياً ضد البحرين من خلال قناة العالم الإيرانية الرسمية، وتدخلها السافر في شؤونها، يدل دلالة واضحة على أن دولة العمائم في طهران تحاول أن تشعل منطقة الخليج العربي، لتعيد ترتيبها من جديد طائفياً، بالشكل الذي يجعلها هي صاحبة القرار الأول كما هو الوضع في لبنان مع طفلها المدلل حسن نصر الله، وحزبه الذي هو مخلب قط يحركه الإيرانيون متى أرادوا وكيفما أرادوا لتحقيق مصالحهم القومية. نجاحهم في (لبنان)، وتحكمهم في طائفة الشيعة هناك، وتجيير كل تحركاتهم لمصلحة إيران العليا، جعلهم يعيدون التجربة اللبنانية في البحرين، لتكون بمثابة لبنان، وحزب الوفاق البحريني هو حزب الله، وزعيمه علي سلمان هو حسن نصر الله الخليج. الغريب أنهم كانوا يتصرفون وكأن المملكة وبقية دول الخليج، سيتركون لهم البحرين مثلما ترك لهم العرب لبنان لتعيث فيه فساداً، وتلعب بورقته، وكذلك بورقة الصراع العربي الإسرائيلي، لتمر من خلالها لفرض نفسها ومصالحها على خارطة الأحداث في المنطقة . ولعل خضوع أغلب شيعة لبنان من خلال حزب الله لما تريده طهران، وكذلك خضوع حركة حماس (الإخوانية) في غزة توجهها إيران كيف تريد وكما تريد، أغراها بأن تستغل الصراع الطائفي في البحرين لتكون البحرين لبنان أخرى. غير أنها اكتشفت مؤخراً، وبوضوح، أن ما كانت تظنه سهلاً في البحرين بينها وبينه كما يقولون خرط القتاد.
أسقط في يد الإيرانيين وحلفائهم في الداخل البحريني عندما دخلت قوات درع الجزيرة إلى البحرين؛ شعروا أن الخيارات أمامهم ضيقة، وأن قدرتهم على التحرك السياسي محدودة، فلم يجدوا إلا التهويش الغوغائي والاحتجاجات، والجعجعة الإعلامية، والتي منها جعجعة حسن نصر الله في خطابه الأخير، والذي مر دون أي تأثير يذكر.
وعندما كنت أتابع التصعيد السياسي الذي انتهجه المعارضون الشيعة في البحرين في بدايات أزمتها، وبالذات رفضهم الحوار مع السلطة الحاكمة، ثم تصعيد المطالب حتى سمعنا بمطالب تتحدث عن جمهورية ملالي في البحرين على غرار التجربة الإيرانية، كنت أظن حينها أن المعارضة الشيعية كانوا يلعبون لعبتهم المعارضة بدقة، وأنهم يأخذون في اعتبارهم كل الاحتمالات، وأن التصعيد ناتج من أنهم كانوا يملكون أدوات ضغط سياسية على الأرض سيفعّلونها إذا ما احتاجوا. غير أن الواقع أوضح بجلاء أنهم لا يملكون من القوة إلا التخويف ب(الفزاعة) الإيرانية ليس إلا، وعندما لم تلتفت السلطات الحاكمة في البحرين إلى فزاعتهم، وواجهت مزايداتهم بحزم وقوة، خسر الإيرانيون حصانهم الطائفي، وخسر البحرين سنة وشيعة في الوقت ذاته اللحمة الوطنية؛ وأصبح شيعة البحرين، رغم أن أغلبهم عرب أقحاح، عداؤهم للفرس لا يقل عن عدائنا لهم، يُصنفون على أنهم (جميعاً) طابور خامس لإيران داخل وطنهم، دون أي تفريق بين الشيعة العرب والشيعة الصفويين؛ على الأقل لدى الإنسان العادي الذي لا يدرك الفوارق بين الانتماءات العقدية والفقهية داخل الطيف الشيعي البحريني.
ما انتهت إليه المعارضة البحرينية من فشل ذريع يدل على أن أولئك الذين يستمدون من الخارج قوتهم، ويضعون أنفسهم في نهاية المطاف ورقة في يد الأجنبي، سرعان ما سوف يمزقها متى ما وجد أن مصالحه وحساباته تقتضي عليه أن يمزقها؛ وهذا ما حدث في البحرين.
إلى اللقاء.
قاطعوا البضاعة الطائفية!
حسن عبدالله جوهر
الجريدة الكويتية
تمر المنطقة الخليجية بحركة تدفق للبضاعة الطائفية إلى درجة الغرق، وإذا كانت البضائع الفاسدة في العادة يتم تهريبها خلسة وعبر الحدود وبخوف وتردد من افتضاح أمر أربابها، فإن سموم الطائفية تنفث عندنا بعلنية ومكابرة وبشكل منظم، وأحياناً بشكل رسمي وشبه رسمي ومن قبل النخبة في الكثير من الأحيان.
وعبر مقالات متعددة طوال السنوات الثلاث الماضية حذرنا من وجود الاحتقان الطائفي وتشرب القلوب به، والنفخ فيه بشكل متواصل ومنظم لا ينقصه سوى شرارة الحدث ليظهر على السطح، وحتى لو تأخر الحدث فقد يقوم البعض باختلاقه لإفراغ مضامينه وتأثيراته إلى الخارج.
وطالما كانت تبذل الجهود لمنع هذا الاصطفاف المقيت والعمل على امتصاص الفرز الطائفي في الكثير من المناسبات والأحداث، ولكن نجاح مثل هذه الاجتهادات كان وقتيا ومحدودا، وسرعان ما تبخر ليعود الأجواء القاتمة لتهيمن على المشاعر والعواطف.
وبؤرة الحالة الطائفية في هذه المرحلة استوردت من البحرين بآلامها وأحزانها ودماء شعبها وخطورة أوضاعها، ومع الأسف الشديد دفنت المعايير الإنسانية والموضوعية وتم تعطيل العقل والمنطق والحكمة من أجل تذكية الطائفية، ووصل الاستقطاب الطائفي هذا إلى حد المنافسة والضغط السياسي والتهديد بين الدعوة إلى إرسال الأطباء والأدوية إلى البحرين أو إرسال القوات العسكرية، وبين التوسط للحوار والتهدئة أو التخوين والتفرقة.
وإذا أردنا أن نختزل كل هذه التفاصيل، وما يتعلق بها من صور وإرهاصات باسم الطائفية، وبغض النظر عما ستؤول إليه نتائج الحراك السياسي في البحرين أو حتى غير البحرين يبقى صوت العقل وروح التسامح والوسطية والاعتدال هي صمام الأمان لأي سيناريو محتمل.
ولا أعرف أسباب الخوف والهلع والارتباك والحالة الهيستيرية عند الكثير من الناس لحركة الاحتجاجات في البحرين، والنظر إليها بمنظار أعور رغم عروبة البحرين وتشابه الأوضاع السياسية والاقتصادية التي فجرت غضب الشعوب من المحيط إلى الخليج، وأسقطت وستسقط عتاة الأنظمة الديناصورية المستبدة كما جرى في تونس ومصر، وما يجري في اليمن وليبيا، فلماذا مثلاً نساند قصف قوات القذافي ومرتزقته دفاعاً عن الشعب الليبي، وتحت غطاء من مجلس الأمن الدولي، بينما نطالب بإرسال الجيوش لتواجه الشعب في البحرين؟
نعم قد تتغير الأنظمة، وقد تنفجر الثورات، وقد تحدث انقلابات سياسية، وقد تتبدل السياسيات في أي مكان في العالم، وقد تأخذ صبغة دينية أو مدنية، ولكن يظل صمام الأمان وخاصة في وأد الطائفية وشرورها في النخبة المرشحة لمسك زمام الأمور.
فها هي تركيا بحزبها الإسلامي الكاسح تعطي نموذجاً رائعاً للفكر الديني السنّي، وها هو القائد أردوغان الذي ألغى الطائفية من خطابه وقراره وساوى بين الحراك المغاربي والبحريني، وحذر من laquo;كربلاء جديدةraquo; في هذه المملكة الصغيرة، وتفرد بالعداء للكيان الصيهوني فقط، ولماذا لا تكون هناك شعبية تتناغم وتتواصل مع هذا النموذج التركي لما فيه مصالح أهم وأكبر لعموم أمة الإسلام بدلاً من العقليات التي تريد إرجاعنا إلى القرون الوسطى؟
ولهذا فإننا نوجه دعوة تقتضيها حساسية الأوضاع وخطورتها، وعلى مستوى كل فرد فينا لمقاطعة البضاعة الطائفية على إيميلاتنا ورسائلنا الهاتفية وخدمة الـraquo;وتس أبraquo; وغيرها من طرق التواصل الاجتماعي الحديث؛ لعل وعسى نساهم جميعاً ولو بشيء بسيط في خلق جبهة أخوية ضد التطرف والمتطرفين!