محمد فهد القحطاني

أعتقد أن النظام في البحرين يتخوف من أجندة المعارضة، بسبب الإشكالية الطائفية، ويعتقد أن الدافع وراء أجندة الإصلاح لدى المعارضة ليست المصلحة الوطنية فقط، وإنما الولاء لجهات أخرى قريبة..وسواء كان النظام صادقا في هذا التخوف وذلك الاعتقاد، أم كان الهدف منه خلق فزاعة أمام الشعب البحريني ككل لقطع الطريق على عملية الإصلاح الضرورية، فإن الواجب على المعارضة إثبات عدم جدية هذا التخوف سواء للنظام أو للشعب ككل، وهو للشعب أوكد، حتى تتفق الغالبية العظمى مع الأجندة، وهي مطمئنة على مصير الوطن.
وأتوقع أن الحكومة هناك سوف تستجيب لمطالب الحراك السياسي عندها، ولكن بطريقة الخطوة خطوة، وبشكل يحفظ الاستقرار لأن الاستعجال في هذه الأمور قد يقلب الطاولة على الجميع، والمهم في الأمر كله أن لا يرفع أحد من الطرفين راية التخوين السياسي في وجه الآخر، ويزيد من انتشار ثقافتها بين أفراد النسيج الاجتماعي البحريني، ويستدعي الخارج لمعالجة وضع داخلي، فالإصلاح ضرورة ورفعة شأن الوطن موضوع من حق الجميع الخوض فيه، والمواطنة ليست حكرا على فصيل دون الآخر.
وما يحدث في البحرين يحتاج لتصرف حكيم من جميع الأطراف البحرينية لاحتوائه، حتى لا تصل الأمور إلى وضع لا تمكن السيطرة عليه، والملاحظ فيما حدث هناك أن الإعلام العربي ككل لم يبدِ تعاطفا كبيرا مع حراك الشارع البحريني، وكذلك النخب العربية لم تصفق للتجربة البحرينية في التغيير، كما فعلت من قبل مع الثورة المصرية والتونسية، وكما تفعل الآن مع الحراك الشعبي في ليبيا واليمن.
وأعتقد أن هذا الأمر له علاقة ببعض الشعارات التي رفعتها بعض الفئات في المعارضة البحرينية عندما قامت بعملية حرق سريع لمراحل التغيير، ولم تعتمد سياسة: خذ وطالب، والخطوة خطوة.
إن ما أسقط جدوى الحراك السياسي في البحرين ونزع عنه التعاطف هو شعار إسقاط الملكية في وسط لا يعرف غير الملكية نظام حكم، وفى جوار إقليمي لا يسمح بحدوث ذلك، ولن يستسيغ رفع راية مثل راية الجمهورية وسط داره، وهذا الأمر أثار حفيظة الكل، القيادات والشعوب في منطقة الخليج، لأن الجميع نظر إلى الأمر ليس كتحرك من قبل هذه المعارضة لرفع سقف المطالب حتى تستطيع كسب بعض منها، وإنما كجرس إنذار مبكر للآخرين بنتيجة انتصار المعارضة في البحرين على مصير دول الخليج الأخرى وشعوبها، ومع أن هذا الشعار رفع من قبل فئة من المعارضة البحرينية إلا أن القيادات العليا للحراك الشعبي البحريني لم تقم بدورها في تسفيه أحلام هذه الفئة، وكان من الحكمة في إدارة الأزمة أن تقوم المعارضة بتوحيد صفوفها حول المطالب ولا تسمح لفئة أن تعرقل ذلك برفع مطالب عصية على التنفيذ تقلب طاولة التأييد عليها، خصوصا من قبل الدول المجاورة وإعلامها ونخبها الفكرية، ومن السذاجة أن تقوم بعض الفئات في المعارضة البحرينية بشن الحرب على كل الجبهات حتى لا تمسي وحيدة في المعركة، حتى في ثورة مصر للذكرى لم يطالب أحد بتغيير النظام السياسي هناك كنظام، وإنما المطالب كانت معنية بتغيير قيادات ذلك النظام، وهناك فرق كبير بينهم.
والأمر لا يخلو من أخطاء وقعت فيها الحكومة البحرينية، من أولها وأكبرها استدعاء قوات درع الجزيرة لمعالجة إشكالية محلية وطنية، أولا لأن هذا الأمر يخل بالسيادة الوطنية، فالأمر ليس هجوما من جهات خارجية حتى نفعل اتفاقية الدفاع المشترك بين دول الخليج، وإنما هو حراك سياسي شعبي يطالب بحقوق مشروعة، واستخدم من الوسائل للوصول لذلك المظاهرات السلمية، وهي وسيلة لا غبار عليها، نعم هناك فئة من المعارضة كما قلنا سابقا تجاوزت الخطوط الحمراء في سقف المطالب، ولكن معالجة هذا الأمر لا تتم باستخدام القبضة الحديدية لقوات درع الجزيرة، وإنما يتم إسقاط هذا المطلب الشاذ بإعطاء فرصة للرأي المعتدل في المعارضة لعرض بنوده لتحقيق الإصلاح السياسي هناك والتجاوب بفعالية معه.
والحكومة البحرينية بهذا التصرف أقرت أمرا في غاية الخطورة في العلاقات الدولية، ألا وهو مشروعية التدخل الخارجي لنصرة طرف على طرف آخر، وفي لجم أصوات المعارضة الوطنية بقوات تستجلب من الخارج، لهذا كنا نتمنى من الحكومة البحرينية عدم اللجوء إلى هذا الحل المستهجن والمتسرع الذي يفتح الباب على مصراعيه للدول الأخرى لتكرار التجربة، خصوصا والأوضاع في البحرين لم تصل لمرحلة الاقتتال الداخلي أو الحرب الأهلية، وإنما هي مناوشات بين قوات الأمن الداخلي وبعض الفئات في المعارضة، تجاورها مظاهرات سلمية تقوم بها الغالبية العظمى من شخوص المعارضة لتحقيق مكاسب سياسية مشروعة ورفع مطالب لا غبار عليها من مثل تطبيق لمبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، ومحاربة البطالة، والمشاركة الشعبية الحقيقية في إدارة الوطن، وهي كما نرى مطالب مشروعة تستهدف الصالح العام، وتسعى للوصول بالوطن إلى بر الأمان، لأن نزع فتيل الاحتقان المستمر وتحقيق المساواة العادلة ين أفراد الشعب أمر يحقق السلامة للجميع قيادة وشعبا.
وهناك عتب يوجه لقناة الجزيرة الفضائية التي غابت عن المشهد البحريني بشكل لافت للنظر، لدرجة أن المهتمين بتتبع الأحداث في هذا القطر الشقيق من أمثالي أداروا بوصلة الشاشة إلى قنوات أخرى من مثل البي بي سي العربية، حتى نتمكن من معرفة الحقائق بشكل أوضح، والجزيرة عودتنا من قبل على أن نقل الحقيقة كما هي على أرض الواقع التزامها الأول والأهم، وأنها لا تحابي ولا تداهن ولا تساير أحداً في سعيه للتغطية على الأحداث وحجب الصورة عن الفضاء الخارجي لتحقيق مكاسب سياسية لطرف على حساب طرف، والغريب أن الجزيرة لا تزال تنقل الصورة في مصر بشكل موسع ويومي، مع أن الأحداث هناك خفت وطأتها بعض الشيء، وتقوم بإجراء حوارات مستمرة مع أطياف المشهد السياسي المصري، فما الذي جعل الأحداث في البحرين عصية على التغطية، ولماذا حرمنا من الاستماع لوجهة نظر المعارضة هناك بشكل يغني شغف المهتم بتتبع الحراك الشعبي في مملكة البحرين، ومعرفة الحقيقة عن كثب وبصورة أقرب، وعلى صفحة شاشة قناة الشعوب الأولى قناة الجزيرة الفضائية ..والسلام