مشاري الذايدي


من المفارقات المثيرة في تضاعيف الثورات العربية الأخيرة أن رئيس سورية في البداية كان يوجه النصائح للحكام العرب حتى لا تثور شعوبهم عليهم، ضاربا المثل بنفسه ونظامه واستقراره، وملمحا إلى أن رفعه شعار المقاومة ومحاربة إسرائيل هو الذي جعل شعبه يصدقه ويثق به، عكس الحكام الآخرين من العرب. كان يعلق على أحداث مصر وتونس، ويلمح إلى غيرهم من عرب laquo;الاعتدالraquo; طبعا!

إحدى هذه الدول العربية المعتدلة - وهي السعودية - تجاوزت العاصفة الجماهيرية بنجاح مميز، بل وتحولت الأيام السعودية إلى كرنفال وطني وتجددت الثقة والولاء. العاصفة نفعت السعودية، وليس فقط لم تتضرر منها، بينما نرى لهيب النار يصل إلى سورية والمواجهات تتضاعف في محافظة درعا ذات الثقل الريفي الحوراني.

لم ينفع كلام الرئيس الأسد وتنظيره عن حصانة الأنظمة الثورية laquo;لفظياraquo; وصارت مسرحية المقاومة والممانعة غير كافية في إبقاء الجمهور مؤدبا وهادئا على مقاعد المتفرجين.

ما جرى في السعودية أدهش الجميع، بما في ذلك الصحافة الدولية التي بعثت بمراسليها ومصوريها لالتقاط مشاهد الغضب السعودي والشوارع الهادرة واللافتات الملتهبة.. لكن - ورغم حرص المراسلين الأجانب وشغف المتحمسين ليوم laquo;حنينraquo; - مر اليوم بردا وسلاما، ليخاطب بعدها الملك عبد الله شعبه مبديا فخره بهم، ثم تهطل حزمة من الأوامر الملكية التي laquo;نفضتraquo; الركود نفضا، ووضعت حلولا جذرية لمشكلات الإسكان وغيرها، ثم هدية راتب شهرين.

انهمرت شلالات الفرح التلقائي في شوارع المدن السعودية، وما زالت.

السؤال الذي يجب أن يطرحه أصحاب المطالب السياسية laquo;الفوريةraquo; حول تحويل السعودية إلى ملكية دستورية وانتخابات شاملة كاملة في كل مستوى.. و.. و.. هو: هل أخطأ هؤلاء في قراءة المشهد السعودي؟ وهل كانوا يعبرون عن أنفسهم وأفكارهم ويتوهمون أنهم يعبرون عن الشارع السعودي؟

من السهل القول إنهم كانوا كذلك تماما وفقط، وإنهم أخطأوا بشكل كامل في قراءة المشهد. لكن المتريث والمتأمل في الإجابة، يجد أن القول بذلك يعني أن الإصلاح قد وصل إلى نهايته وأنه لا مجال آخر يحتاج إلى إصلاح وهبوب نسمات التطور والازدهار عليه.

وهذا غير صحيح، ومسيرة الإصلاح الإداري والسياسي لم تتوقف في السعودية منذ بداية التأسيس، تسرع تارة بشكل باهر، وتهدأ تارة إلى درجة تقارب التوقف، لكن لم يقل أحد إن الأمر انتهى، أو سينتهي، فهذا ضد طبيعة الحياة أصلا!

أظن أن في النخلة السعودية بقية من عذوق الإصلاح، في مجال المشاركة الشعبية، والإصلاح الإداري، ولكن دون laquo;الهرولةraquo; التي أبداها البعض خلال الأيام الماضية.

إيقاع القرار السعودي يظل نابعا من ساعته الداخلية، وليس من توقيت الآخرين في الخارج أو الداخل. والدليل على سلامة الساعة السعودية، أن عقارب الآخرين في الدول الأخرى بدأت تلسع بعضها رغم كل الكلام الكبير، لكن يبقى البرهان في النهاية بالحقائق التي تجري على الأرض وليس الشعارات المرفوعة. ما جرى في السعودية يمنح الثقة والاطمئنان.. والأمل في المزيد أيضا.