خلف الحربي


منذ هجوم laquo;البلطجيةraquo; بالجمال والخيول على متظاهري ميدان laquo;التحريرraquo; في القاهرة وظاهرة laquo;البلطجيةraquo; تزداد يوما بعد آخر في جميع الدول العربية دون استثناء، حيث لم تعد الأنظمة العربية تعتمد على أجهزتها الأمنية في قمع المتظاهرين قبل اعتمادها على هذه الكائنات الغريبة التي تحمل الهراوات وتقذف المتظاهرين بالحجارة، وتبلغ حدا من المزايدة يدفع العديد من الأجهزة الأمنية العربية إلى إبعادهم بالقوة حفاظا على سلامة المتظاهرين.

وقد كنت أظن في البداية أن laquo;البلطجيةraquo; لا يتعدون كونهم مجموعة من الرجال المفتولي العضلات الذين تستأجرهم السلطة لقمع المتظاهرين نيابة عنها كي لا تتحمل مسؤولية أي إصابات تنتج عن عمليات القمع، وكي ترسل رسالة إلى العالم أنها تحظى بتأييد شعبي يمنحها شرعية البقاء، ولكن ما حدث في العديد من الدول العربية أثبت أن laquo;البلطجةraquo; ليست ظاهرة جسدية فقط، بل تحولت إلى ظاهرة فكرية وإعلامية لا يستهان بها بعد أن انضم إليها عدد من رجال الدين وبعض الأسماء الليبرالية البارزة، بالإضافة إلى مجموعة من الصحافيين والفنانين الذين يقولون كلاما يستحي أن يقوله أشرس ضباط المخابرات.

وقد انضم إلى هؤلاء الكتاب والمفكرين laquo;البلطجيةraquo; حشد كبير جدا من laquo;بلطجيةraquo; الإنترنت الذين يبثون الرسائل القمعية عبر المجموعات البريدية، ويهاجمون كل من تسول له نفسه انتقاد السلطات العربية من خلال منتديات الإنترنت أو عبر laquo;الفيس بوكraquo;. وإذا كان أغلب هؤلاء laquo;البلطجيةraquo; قد قبضوا مقدما ثمن laquo;البلطجةraquo; السافرة التي يقومون بها فإن ثمة laquo;بلطجيةraquo; بُله يقومون بهذا العمل اعتقادا منهم أنهم يخدمون أوطانهم ويسعون إلى إبعادها عن الأخطار المحدقة بها... صحيح أنه لا يمكن قبول صورة laquo;البلطجيraquo; حسن النية، ولكن ثمة عدد لا بأس به من laquo;البلطجيةraquo; ينطلقون من نوايا حسنة بالفعل، وهؤلاء أخطر بكثير من laquo;البلطجيةraquo; المدفوعي الثمن لأنهم يخلطون الحابل بالنابل، وينظرون إلى الحرية باعتبارها شرا مستطيرا لا بد من مقاومته حتى الموت.

أما أسوأ أنواع laquo;البلطجيةraquo; فهم laquo;بلطجية البوصلةraquo;، فهؤلاء يؤيدون الثورات الاحتجاجية في بلد عربي ما ويرفضونها في بلد آخر، ويتفننون في سرد الحجج العجيبة التي يحاولون من خلالها إخفاء تناقضهم البشع، وتقليب مبادئهم المطاطية المثيرة للضحك.

كيف يكون الليبرالي ليبراليا وهو لا يستحي من laquo;البلطجةraquo;؟ وكيف يكون رجل الدين صادقا في نيته، وهو يمارس laquo;البلطجةraquo; جهارا نهارا؟ وكيف يكون الصحافي ملتزما بشرف المهنة وهو يعادي الحريات؟... سحقا لـraquo;البلطجيةraquo; فهم أسوأ بكثير من الطغاة.