زهير قصيباتي

رغم أهمية اعتراف الرئيس بشار الأسد بحتمية الإصلاح في سورية وبطئه، وبأن بعض القرارات التي تعدّ كعناوين لتلبية مطالب مشروعة، أعلِن قبل ست سنوات ولم يتحول واقعاً، جاءت دعوته السوريين الى laquo;وأد الفتنةraquo; كواجب laquo;وطني وأخلاقي وشرعيraquo;، اعترافاً مبطناً بأن لهذه الفتنة أصابع ما زالت قادرة على تحريكها.

والاعتراف الثالث هو أن سورية، كسواها من المجتمعات في المنطقة، ليست محصّنة ضد فيروس الصراع الطائفي، ولو كانت كذلك لما اتسعت الاحتجاجات والصدامات من درعا الى دمشق وحمص واللاذقية وحماه، ولما سقط ضحايا... أو على الأقل لما أفلح من يستخدمون الفتنة سلاحاً، ويتسللون في صفوف المطالبين بالإصلاح والحريات.

الهدف النهائي لـ laquo;المؤامرةraquo; الذي أعلنه الأسد، هو تفتيت سورية و laquo;إزالتها من زعامة المقاومة ضد إسرائيلraquo;... ما يشي بأن لسيناريو المواجهات خيطاً لا تستفيد منه سوى إسرائيل، أياً تكن هوية مَن أضرموا النار في مبانٍ، وأطلقوا النار على مدنيين.

وإذا أمكن الانطلاق من خطاب الرئيس السوري، الذي اعتبِر متأخراً ndash; وهو كذلك باعترافه ndash; ولم يستغرق من الوقت ما ميّز خطبه السابقة، لاستخلاص ما قد يساعد في فهم ما سعى إليه الأسد، أو الرسائل التي حاول توجيهها، ربما تجدر ملاحظة الآتي:

- أولاً، دعوته الى عدم التسرّع في مسيرة الإصلاحات رغم تشديده على الحاجة الحتمية الى تسريعها، وإشارته إلى طيّ مرحلة معارضين للإصلاح من laquo;أصحاب المصالح والفسادraquo;.

- ثانياً، من خطاب الرئيس السوري يمكن تلمّس تلميح الى أن المواجهة مع laquo;الفتنةraquo; لم تنتهِ، لذلك حاول تعبئة السوريين لـ laquo;وأدهاraquo;، والأهم التذكير بالظروف التي واجهتها دمشق عام 2005، من دون ذكر ملامحها أو حتى الإشارة الى لبنان، فالظروف مختلفة، والقاسم المشترك هو laquo;ضغوط خارجيةraquo; سابقاً، وضغوط من الخارج الآن تحرّك laquo;الصراع الطائفيraquo; في الداخل.

أما غياب القرارات عن الخطاب، مثل إعلان إلغاء قانون الطوارئ كما كان متوقعاً، فلعله مجدداً يرجح أولوية احتواء الشارع وتهدئة ذوي الضحايا، في غياب مؤشر الى جدول زمني للإصلاح الذي أكد الأسد أن أمره حُسِم منذ العام 2005، وهو سوري خالص، لكنه يتأخر.

وأما قول الرئيس السوري laquo;إذا فرِضت علينا المعركة فأهلاً وسهلاًraquo;، في سياق صدّ مشروع laquo;الفتنةraquo; الذي هزّ البلد، فيُرجح أن يكون الرسالة الأولى التي أراد توجيهها، وهي في كل الأحوال تأكيد لـ laquo;مرحلة عصيبةraquo;، ربما أقسى حقائقها أنها لا تزال في بداياتها.

ما الذي أرجأ الإصلاح سنوات؟ لعله الآن في المنطقة يسابق مشاريع الفتنة، وبينها الثورات المضادة التي تشن حرباً وقائية على مشاريع ثورة.

بعد مصر وتونس وليبيا واليمن، في سورية سالت دماء أيضاً، لكن لكل بلد تعقيدات ظروفه، فيما رياح التغيير هي التي laquo;تحرك التاريخ الآن في الشرق الأوسط وشمال أفريقياraquo;. والعبارة للرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يسعى الى تجميع مبادئ laquo;مذهبهraquo;، فلا يتدخل إلا لحماية المدنيين العرب، لا يتدخل لوقف رياح التغيير، لكنه يدّعي فهم الدرس العراقي.

... لذلك يُترك الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في مواجهة معارضيه وحيداً، ينتظر اللحظة التاريخية ليجد laquo;الأيدي الأمينةraquo; التي تستحق تسليمها السلطة. يراهن الرئيس الأميركي على صبر العقيد القذافي، والمنفى جاهز في أوغندا. إنه موسم الرحيل الى المنافي، رغم هناء laquo;الجماهيريةraquo; في تصديها لـ laquo;المؤامرةraquo;.

لم يعرف قاموسها كلمة الإصلاح، التي ظلت شعاراً غريباً لسنوات مديدة في مصر، إلا في أدبيات حزب حاكم، لتلميع سمعته وصورته.

في مصر اليوم، شباب الثورة يشكو بطأها، laquo;التطهيرraquo; من رموز الثورة المضادة يسابق الإصلاح، وموسم المنافي يزدهر.