يوسف الكويليت

إيران أخرجت ألعابها من خلف الستار إلى العلن، وكانت دول الخليج العربي هي المستهدف الأول، مرة بإلحاق بعضها إلى الامبراطورية الفارسية مثل جزر الإمارات، وكذلك البحرين معتقدة أن إعلان الحرب النفسية بالتجسس في داخل الكويت، والقبض على خلايا لحزب الله وإيران في أكثر من دولة، سيجعلان هذه الدول في حالات رعب تعطي إيران حق المساومة والتغلغل في شرايين هذه الدول، وكنا نتمنى أن تستفيد إيران من تجارب غيرها ممن وقعوا في أخطاء تصدير الثورات والمؤامرات، وحتى التدخل العسكري، على حساب التنمية الداخلية لتأتي النتائج كارثية على السلطة والشعب معاً..

إيران تطالب الشعوب بالتظاهر ورفع شعار معاداة الغرب، لكنها لا تسمح للمعارضة كسب هذا الحق، وهي حالة إيرانية مضحكة، فإذا كان القمع الداخلي وملء السجون مشكلتها، فإن محاولة تصدير أزماتها لعبة فاشلة، إذ إن أي مقارنة بحياة أي مواطن خليجي، وإيراني من القوميات والأثنيات المختلفة تباعد بين الرؤية القصيرة والبعيدة، ثم نأتي للجاليات الإيرانية في الخليج العربي، فهي تتمتع بحريات لا يقاس معها وضع الأكراد والعرب والأذريين والبلوش وغيرهم حين يوضعون أدنى من العِرق الفارسي، ويحرمون من حقوق ممارسة شعائرهم وتراثهم القومي، وهي قضايا لا تستطيع التستر عليها أو إخفاءها في ظل عالم مفتوح يقرأ كل شيء، ويتعامل معه بحسّ كوني..

الذي يحدث من إيران أصبحت انعكاساته خطيرة ليس على الشيعة العربية كمواطنين لهم كامل الحقوق، ولكن على عاملين لبنانيين وغيرهم ممن تحولوا إلى وسائل في خدمة إيران بالتجسس وتهريب الأسلحة، والتعامل بحسّ تخريبي، وقطعاً سيكون الثمن التعامل مع الأفراد والجماعات بما تفرضه دواعي الأمن عندما يتعرضون للطرد إذا ما أكدت الشكوك عمالتهم لإيران، وقد لا ننسى موقف السيد عرفات عندما انحاز إلى صدام حسين في غزو الكويت ليجني على مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين كانوا يتمتعون بمزايا العمل، وزيادة المداخيل التي كانت سبباً في رفع مستوى معيشة العائلات في الأرض المحتلة وغيرها..

إيران تدرك أن العبث في أمن الخليج العربي بهاجس عودة الامبراطورية الفارسية، هو أوهام قبل أن يكون أحلاماً، لأن استراتيجية المنطقة وحساسية تأثيرها على العالم كله، تجعلانها في مناعة ذاتية، وقد جرّب صدام وخسر الجولة، وإيران التي تريد فرز نفسها قوة عالمية لا تأتي في بناء ترسانة عسكرية تناور بها كرادع يساويها مع القوى العظمى، وعلى حساب مجاعة شعب تحرك في أكثر من مناسبة لتعرية السلطة وفسادها وجبروتها على المعارضين..

إنفاق البلايين بخلق فوضى في المنطقة، وبأساطير أقرب للخرافة في تحقيق تميز ديني مغلف بعرقي قومي، أسقط قوة عظمى بسبب تآكل الايدلوجيا والاندفاع لتصدير الثورة، والاهتمام ببناء القوة العسكرية على حساب التنمية، وهو السلوك الإيراني المستعاد من الاتحاد السوفياتي الآفل..