عبدالله اسكندر


الفتوى التي أصدرها أخيراً المرشد الإيراني علي خامنئي عن السيدة عائشة لقيت ارتياحاً في أوساط العاملين في التقريب بين المذاهب الاسلامية. لكن هل تكفي، في هذه الايام، من أجل منع الفتنة بين المسلمين؟ وهل تكفي لحل المشكلات والخلافات السياسية بين المسلمين، في ظل اعتبار بعضهم، أي السُنّة، ان ثمة هجوماً ايرانياً على كل الجبهات يستهدفهم؟

ففي الوقت الذي أعطت وسائل الإعلام في إيران وأنصارها في المنطقة العربية حيزاً كبيراً للفتوى، رغم الكثير من الفتاوى التي سبقتها من الجانبين الشيعي والسُنّي عن الوحدة الاسلامية واحترام المذاهب، بلغ الهجوم السياسي الإيراني مرحلة متقدمة في استهداف سياسات عربية ينظر اليها على انها تعبير لموقف سُنّي او انها تصدر عن بلدان عربية ذات غالبية سُنيّة ساحقة. وهو الامر الذي يجد ترجمته في الوجدان الشعبي والجمعي على انه استهداف للسُنّة، على نحو مباشر أو غير مباشر. بما يُفقد الفتوى المعنية القصد المعلن منها.

لقد عملت إيران بكل ما تملك من ثقل سياسي ومادي في العراق لمنع ترجمة العملية الانتخابية الاخيرة بتولي الكتلة النيابية الاكثر عدداً من تولي رئاسة الحكومة. ولا يُخفى ان منع زعيم القائمة laquo;العراقيةraquo; اياد علاوي من تولي رئاسة الحكومة يتعلق بشبهة انه اكثر ميلاً الى السُنّة العراقيين والمطالبة بعدم التدخل في الشؤون العراقية، خصوصاً من طهران. وأظهرت الشهور الماضية التي شهدت محاولات تشكيل الحكومة العراقية ان الضغوط الايرانية لم تقتصر على إبعاد laquo;المشتبه بهمraquo; في عدم تأييد سياسة طهران فحسب، وانما استهدفت ضمان وصول أكثر الأحزاب تمسكاً بانتمائها الطائفي الى رئاسة الحكومة. وبنتيجة هذه الضغوط، فُرض نوري المالكي على الكتل الشيعية المرتبطة بطهران كمرشح لرئاسة الحكومة، رغم تحفظات عراقية وعربية كثيرة على ادائه خلال توليه المنصب. ما فُسر على انه ترشيح لا يأخذ في الاعتبار مصالح الاطراف العراقية الاخرى ولا مصالح العرب.

في الوقت ذاته، تُشن حملة كبيرة على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمقاضاة المتهمين باغتيال رئيس حكومته السابق رفيق الحريري. ويصعب، رغم المبررات التي تتضمنها هذه الحملة، الفصل بينها وبين كون رئيس الحكومة السابق شخصية سُنيّة، لبنانية وعربية. بما يضع الحملة التي يقوم بها أنصار ايران في لبنان والمنطقة، في إطار التعارض الشيعي - السنّي. كذلك تستهدف الحملة سعد الحريري، بصفته نجل رفيق الحريري وزعيماً للسُنة ورئيساً لحكومة لبنان. اي انها تنطوي على شحنات رمزية مضاعفة، سواء في اطار العلاقة السُنّية - الشيعية او في اطار تقاسم السلطة في لبنان. واستطراداً للحملة على المحكمة الدولية، ثمة تشكيك مبطن بدور السعودية، من خلال استحضار دائم لعدم تنفيذ وعد مفترض بوقف القرار الظني للمحكمة الدولية، بحسب تفاهم مفترض هو الآخر مع سورية.

في موازاة ذلك، تتسع الحملة على مصر وسياستها، في كل الملفات العربية المطروحة، خصوصاً في لبنان وفلسطين والعراق. ومعلوم ما تمثله مصر في الوعي العربي وفي وعي السُنّة، على وجه الخصوص.

هكذا تدفع عناصر السياسة الايرانية في اتجاه تصعيد التعارض الرمزي المذهبي، وتتجاوزه احياناً الى تعارض واضح في المصالح والاهداف على نحو يهدد بانقسام صريح على أساس مذهبي.

في هذه الظروف المتأججة تأتي زيارة الرئيس بشار الأسد لطهران، والتي يعتقد بأن كل هذه الملفات ستكون على جدول اعمالها. ورغم العلاقة الاستراتيجية الاستثنائية بين سورية وايران، يمكن ان يلعب الرئيس الأسد دور تهدئة في الحمية والاندفاع الايرانيين. وهذه التهدئة هي المدخل لتصحيح صورة الخلافات السياسية وإبعادها عن الشحن الطائفي واستبعاد الفتنة.