خيبة عباس... وخيبات أوباما !
راجح الخوري
النهار اللبنانية
في حسابات بنيامين نتنياهو أن quot;العرض السخيquot; الذي تضمنته رسالة الرئيس باراك اوباما اليه لا يمثل مكافآت مغرية كما قالت الصحف الاسرائيلية امس، بل يتمثل quot;حقوقاًquot; أو بالاحرى اقساطاً ستستحق فتدفعها واشنطن لاسرائيل سواء في عهد اوباما او في عهد من يأتي بعده الى البيت الابيض.
وهكذا لم يكن في وسع المبعوث الاميركي جورج ميتشل الذي حمل رسالة العروض الاميركية المستعجلة الى نتنياهو، الا ان يواصل ديبلوماسية الضحك المصطنع، وهو يسير الى جانب نتنياهو في حديقة منزل الاخير في قيساريا، رغم انه يكاد ينفجر من الداخل، وقد تحوّل وسيطا على طريق الفشل، بعدما كان قد صنع لنفسه هالة النجاح في تسوية الازمة الايرلندية كما هو معروف.
لكن خيبة ميتشل لا يمكن ان تقارن بمسلسل الخيبات التي اصابت الرئيس الاميركي منذ مباشرته عهده باطلاق وعوده الزهرية، بأنه سيركز جهوده على حل ازمة الشرق الاوسط، عبر اقامة الدولة الفلسطينية والتسوية الشاملة التي تضم المسارين السوري واللبناني ايضا، وانه مؤمن بأن هذا يخدم المصالح القومية الاميركية ويصحح علاقات اميركا مع العالمين العربي والاسلامي.
❐ ❐ ❐
على امتداد العامين تقريبا اشتبك اوباما مع نتنياهو الذي يرفض من منطلق ايديولوجي التسوية التي تفضي الى قيام الدولة الفلسطينية في وقت يستمر انحياز الرأي العام الاسرائيلي الى التشدد والتعلق بسياسة العدوان والتوسع، وهو امر تؤكده نتائج الانتخابات في الاعوام الماضية وطبيعة النسيج السياسي للحكومة الحالية في
تل ابيب.
بعد جهود مضنية اقنعت الاسرائيليين بوقف موقت للاستيطان انتهى يوم 26 ايلول الفائت، واقنعت الفلسطينيين بقبول المفاوضات المباشرة شرط ان يستمر وقف الاستيطان. بدأت المفاوضات المباشرة بين الطرفين وسط جو تم اصطناع الكثير من التفاؤل حوله. ثم فجأة وجه نتنياهو ضربة كبيرة الى مسار التفاوض مع استئناف حركة الاستيطان، وهو ما يضع صدقية الرئيس محمود عباس على المحك اذا استمر في التفاوض مع استمرار
الاستيطان.
لكن هيبة اوباما وصدقيته، اضافة الى حاجته مع حزبه الديموقراطي الى اصوات اليهود في الانتخابات النصفية للكونغرس، التي ستجري في تشرين الثاني المقبل، تجعله في موقف صعب وخانق الآن، عندما يرفض نتنياهو ان يكسر كلمته امام المستوطنين مفضلا ان يكسر هيبة اوباما وصورة الديبلوماسية الاميركية امام العالم!
❐ ❐ ❐
لقد ذهب الرئيس الاميركي بعيدا في عرضه السخي فعلا، الذي حمله ميتشل الى تل ابيب، عندما عرض استعداد اميركا لتقديم ضمانات مغرية لاسرائيل، تتصل بالقضايا الجوهرية مثل الترتيبات الامنية التي ستفرض على الدولة الفلسطينية والقدس واللاجئين والاعتراف باسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، كل ذلك في مقابل وقف الاستيطان لمدة شهرين فقط لا غير.
ولكن نتنياهو بالغ في التصلب عندما قال للصحافيين وفق رواية quot;معاريفquot;: quot;اقرأوا شفتيquot;. اي انه لا يقدر ان يكسر كلمته امام الاسرائيليين بعدما كان قد تعهد عدم وقف الاستيطان. ثم عاد الى سرد اكاذيبه:
quot;انا وحكومتي ملتزمان محاولة التوصل الى اتفاق سلام... هذا هو هدفي وهذه هي سياستناquot;، ولكنه يعمل بعكس ما يقول، عندما يوجه صفعة الى المسار التفاوضي واستطرادا الى اميركا في جهودها الديبلوماسية، والى اوباما في رسالة العروض المغرية التي عوملت بهذا الاسلوب الفج.
واذا كانت واشنطن قد وضعت في التداول ما يؤلم اسرائيل ويشجع الفلسطينيين وquot;لجنة المبادرة العربية للسلامquot;، التي ارجأت اجتماعها المقرر في 4 تشرين المقبل، لاتخاذ قرار باكمال المفاوضات او بالتوقف عنها، وذلك عندما لوّحت بأنها يمكن ان تعترف علنيا بحدود 1967 بما في ذلك مسألة الاراضي والانسحابات، كإطار للمفاوضات المباشرة حول التسوية النهائية، فإن ذلك لن يحل عقدة الاستيطان، ففي وسع نتنياهو وزمرته الاستمرار في التصلب وخوض معركة جديدة ضد ادارة اوباما داخل
اميركا.
لهذا فإن كل ما يقوله ميتشل عن تصميم الادارة الاميركية واصرارها على المضي في العمل لتحقيق التسوية، وانها لم تفقد الامل في امكان انقاذ عملية المفاوضات التي ترنحت قبل ان تنطلق فعليا، كل هذا لا يعني شيئا في النتيجة، ما لم يملك البيت الابيض بعضا من الحزم الذي اظهره الرئيسان دوايت ايزنهاور مع غولدا مئير عام 1956 بعد حرب السويس وجورج بوش الاب مع اسحق شامير عندما رفض اعطاءه ضمانات قروض بـ10 مليارات دولار لتشجيع حركة الاستيطان!
إيران وأميركا: من العداء إلى تنظيم الاختلاف ؟
سركيس نعوم
النهار اللبنانية
لا يزال الرئيس الاميركي باراك اوباما ماداً يده الى الجمهورية الاسلامية الايرانية رغم الصد الذي لقيه منها منذ عرض عليها الحوار لتسوية القضايا المختلف عليها بين بلاده وبينها، بل بينها وبين المجتمع الدولي بعيد تسلمه سلطاته الدستورية في كانون الثاني 2009. طبعاً لم يعنِ ذلك انه الغى باختياره الحوار كل خيار آخر للتعامل مع النظام الاسلامي الحاكم في ايران وخصوصاً الخيار العسكري. وقد اكد ذلك في احد خطبه الاخيرة. لكنه يعني انه يفضّل الخيار السلمي في التعامل مع ايران على اي خيار آخر وخصوصاً اذا فتحت الاخيرة الابواب امامه. ذلك ان الخيار العسكري سيكون محفوفاً بصعوبات كثيرة وكبيرة رغم الاختلال الواضح في ميزان القوى العسكرية بين الدولتين. وما جرى في العراق بعد نجاح اميركا بوش في اطاحة نظام صدام حسين عام 2003 ولا يزال يجري الا دليل على ان لايران قدرة على تعطيل الكثير من الاستراتيجيات الاميركية والإضرار بالكثير من المصالح الاميركية في المنطقة. وما بدأ يجري اخيراً من تصاعد للعنف في افغانستان إلا دليل آخر على قدرة ايران وجهات اخرى على الايذاء. وما الارتباك في الشرق الاوسط الذي تسببت به ايران عبر حليفيها السوري وquot;حماسquot; وعبر ابنها quot;حزب اللهquot; إلا دليل ثالث على القدرة نفسها. طبعاً لا يقتصر رد فعل ايران الاسلامية على اليد الاميركية الممدودة على إظهار قدرتها على الايذاء، بل ترافقه احياناً مرونة تبدي من خلالها استعدادها للحوار والبحث في المشكلات كلها مع التمسك بحقها في امتلاك تكنولوجيا نووية للاستهداف السلمي، وبرفض تدخل اي قوة خارجية في شؤونها الداخلية وتحديداً في نظامها الاسلامي الذي quot;اختارهquot; شعبها. وتصل هذه المرونة في بعض الاحيان الى حد القبول المبدئي وبعد مشاورات غير مباشرة عميقة واحياناً بعد لقاءات مباشرة باقتراحات من شأن مناقشتها وتالياً التفاهم في شأنها حل الصراع الذي صار مزمناً بين واشنطن وطهران وبين الاخيرة والمجتمع الدولي. لكنها سرعان ما تختفي ليحل مكانها من جديد التصلّب والتشدّد، ولتعود المواقف العدائية تجاه اميركا وغيرها الى خطابات المسؤولين الكبار في ايران بدءاً بالولي الفقيه آية الله علي خامنئي. وقد تسبب ذلك بالحيرة اكثر من مرة لعدد من الاميركيين المتعاطين مع هذا الملف، كما لعدد من حلفاء اميركا في الشرق الاوسط وخصوصاً الذين يتلقون الضربات من جراء استمرار quot;الصراعquot; الذي يكاد ان يصبح تاريخياً بين الدولتين.
الى اين تتجه العلاقات او اللاعلاقات بين واشنطن وطهران؟ وهل مستقبلها الصدام في نهاية الامر أم التوافق؟
العارفون والمتابعون من اميركيين وايرانيين وعدد من الخبراء في المنطقة يعتقدون ان الجمهورية الاسلامية الايرانية لا تنوي الذهاب في الصراع مع اميركا الى الآخر اي الى رابح وخاسر. ويعتقدون ايضاً ان في هذه الجمهورية من يفكر ببراغماتية وحكمة وواقعية رغم الطابع الايديولوجي والمبدئي لنظامها. وهذا النوع من التفكير يقود، وهذا امر قيل اكثر من مرة في هذه الزاوية كما في وسائل اعلامية اجنبية عدة، الى الاقتناع بوجود التقاء في المصالح الاميركية ndash; الايرانية، رغم اختلاف الانظمة واختلاف الاديان وموقع الدين في الانظمة المتصارعة. فالتيارات الاسلامية الاصولية السنّية التكفيرية والعنفية تخوض والولايات المتحدة حرباً ضروسة في كل انحاء العالم. والعالم الاسلامي يبلغ تعداده قرابة مليار وأربعمئة مليون مسلم يشكّل السنة بينهم قرابة ثمانين في المئة. والتيارات المشار اليها تنتشر بين هؤلاء كالنار في الهشيم. ومن شأن ذلك مع الوقت تغيير الانظمة في العالم الاسلامي وتحوّله عالماً معادياً للغرب ولاميركا وربما لكل الاديان الاخرى. وأمر كهذا يهدد اميركا في الصميم وربما العالم، لكنه يهدّد ايضاً ايران الشيعية بنسبة 90 في المئة كما كل الشيعة في العالم الذين يكفّرهم المنتمون الى التيارات المذكورة اعلاه. ولهذا السبب فإن مصلحة اميركا وايران التفاهم اولاً لمواجهة عدو مشترك وتالياً لتأمين اوضاع اقليمية قادرة على مواجهة التهديد الاصولي السنّي التكفيري ولاحقاً على اضعافه ثم التخلّص منه.
لكن هذا النوع من التفكير، يلفت العارفون والمتابعون والخبراء اياهم، لن يقود ايران الاسلامية اليوم الى تفاهم او الى تسوية مع اميركا. بل سيقودها اذا لم تطرأ مفاجآت معرقلة كأن يتسبب احد بحرب مع ايران تشنها اميركا او اسرائيل او الاثنتان معاً، علماً انها من جهتها ستبذل جهودها لعدم الوصول الى حال كهذه - سيقودها الى مرحلة اولى من العلاقات تقوم على مبدأ تنظيم الاختلاف بين الدولتين. وفي ذلك تقدم لأنه يعني عودة العلاقة والحوار والتفاهم حيث يجب او حيث تقضي المصالح المتلاقية. اما القضايا الاخرى فتبقى خلافية الى ان يحين اوان حلها. وهذا الاوان يحدده نجاح ايران في تحقيق انجازات نووية نهائية تمكّنها من إقامة نوع من التكافؤ وإن في الحد الادنى مع الدول الكبرى، وتؤهلها لدور اقليمي مهم قد يكون اكبر من ادوار دول اخرى في المنطقة تعتبر نفسها او كانت تعتبر نفسها كبرى. والى ان يتحقق ذلك ستبقى العلاقات عدائية مع تعاون محدود ثم تتحول علاقة تنظيم الاختلاف. اما علاقة التعاون وربما التحالف فتحتاج الى quot;المدى البعيدquot;لكي تقوم. هل يعني ذلك ان quot;الهلال الشيعيquot; الذي تحدث عنه سابقا العاهل الاردني سيصبح حاجة اميركية؟ (سؤال بريء...)