جهاد الخازن

عندما يتظاهر مليون مصري في ميدان التحرير مطالبين برحيل النظام، وعندما يتبعهم مليون مصري آخر في اليوم التالي لا يبقى مجال للجدل، وقد قضي الأمر وسقط نظام حسني مبارك، والحكم الانتقالي يسعى اليوم لإرساء أسس نظام جديد، ديموقراطي ومع عدالة اجتماعية.

كل ثورة تتبعها فترة من الفوضى، ومصر ليست استثناء، إلا أنني أخشى إذا لم يعد المصريون كلهم الى العمل بسرعة أن يصبح المليون شاب متعلم الذين تظاهروا لأنهم لا يجدون فرص عمل مليونين أو ثلاثة.

أكتب اليوم من منطلق خوفي على مصر ومحبتي لأهلها، وأرجو وجمر ثورة الغضب لا يزال يتأجج، أن تحافظ الحكومة والشعب على الجوانب الإيجابية في الاقتصاد المصري، وأن تبني عليها، وهي تزيل شوائب كثيرة.

لا أدين أحداً من النظام السابق ولا أبرئ أحداً، وإنما أترك القرار للمحاكم المصرية، وأقبله إدانة أو تبرئة، ثم أتطلع الى مستقبل أفضل لا يدمر إيجابيات موجودة وهو يعالج السلبيات الكثيرة التي تنسب الى النظام السابق.

حكومة أحمد نظيف حققت نجاحاً كبيراً في إطلاق عجلة الاقتصاد المصري على أسس عصرية تنافسية قوية، وفشلت فشلاً كبيراً في مكافحة الفساد، والنتيجة أن تحسن الاقتصاد سنة بعد سنة لم يرشح الى المواطن الفقير، وإنما بقي عند الطبقة العليا المستفيدة.

كتبت في أيام حكم مبارك أن المواطن المصري العادي لم يستفد من تحسُّن أداء الاقتصاد (والمادة متوافرة للباحث الراغب)، وأبديت هذا الرأي للأخ جمال مبارك في جلساتي الأخيرة معه، وهو لم ينكر ذلك.

ربما يستغرب القارئ المصري أن يسمع أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي رشّحا مصر لتصبح من نمور الشرق الأوسط مع حلول 2020. وكان الناتج القومي زاد 3.2 في المئة سنة 2003 - 2004. وجاءت حكومة أحمد نظيف، وأعضاؤها المسؤولون عن الاقتصاد من رجال الأعمال البارزين، وزاد الناتج القومي السنوي تدريجاً من 4.1 في المئة سنة 2003 - 2004، الى 4.5 سنة 2004 - 2005، الى 6.8 سنة 2005 - 2006، الى 7.1 سنة 2006 - 2007، الى 7.3 سنة 2007 - 2008. الأرقام السابقة من صندوق النقد الدولي، وتعود الى سنة 2009.

سألت جمال مبارك عن نسبة زيادة الناتج القومي المصري بعد بدء الأزمة المالية العالمية سنة 2008، وقال إنها كانت 4.23 في المئة سنة 2009، وهي نسبة جيدة جداً، لأن اقتصاد دول كثيرة في الشرق والغرب انكمش بعد الأزمة. وأمامي تقرير من صندوق النقد الدولي يحمل تاريخ 9/3/2010 يقول إن مصر تجاوزت الأزمة المالية العالمية ويضم أرقاماً إيجابية في كل صفحة منه.

لا أسجل الأرقام السابقة للدفاع عن حكومة أحمد نظيف إطلاقاً، وإنما لأقول إنه يجب البناء على ما تحقق، ومحاربة الفساد بإصرار واستمرار حتى تصل فوائد الاقتصاد الى الطبقات الدنيا من المجتمع.

ربما كان هناك سبب أناني وراء ما أكتب اليوم، غير الاهتمام المهني والمحبة الشخصية لمصر، فتجربة العقود الأخيرة تُظهر أن الدول العربية الأخرى تتبع مصر في الخطأ والصواب. وقد تبعنا مصر في تأميم الاقتصاد والصحف وكتم الحريات وعانينا جميعاً وخسرنا. وسنتبع مصر إذا بنت اقتصاداً عصرياً على أسس سليمة، وأطلقت الحريات العامة والصحافية.

أعتقد أن فكرة التعاون الاقتصادي الإقليمي أطلقتها حكومة رجب طيب أردوغان بعد أن تعثر انضمامها الى الاتحاد الأوروبي، وقد سمعت منه في إسطنبول شرحاً وافياً للفكرة، وهناك الآن حدود اقتصادية مفتوحة بين تركيا وسورية والأردن ومصر. والربط الكهربائي بين مصر والأردن كان سيتبعه ربط كهرباء بين مصر والسعودية، ثم سورية وغيرها، وبعده ربط أهم بالغاز، وخطط طموحة لضم العراق وليبيا الى المجموعة الاقتصادية الإقليمية.

هذا التعاون الاقتصادي يجب أن يبقى وأن يبنى عليه، وهو حقيقي أفسده الفساد المستشري الذي جعل مصر في المرتبة 98 على مؤشر الفساد العالمي، مقابل المرتبة 19 لقطر، وهي أغنى بلد عربي، وربما أغنى بلد في العالم بالنسبة الى دخلها مقارنة مع عدد المواطنين.

وأدعو أن تسير مصر بخطوات واثقة الى الأمام لنسير معها وفي ركابها.