إبراهيم عبدالمعطي
ظهر السلفيون بكثافة علي الساحة بعد رحيل quot;مباركquot; عن كرسي السلطة، في أننا لم نسمع أصواتهم في مواجهة الحاكم الجائر عندما كان ظلمه للعباد واضحا للجميع، بل إنهم أفتوا بحرمة الخروج علي الحاكم، وكأن هذه الفتوي رضا عن قهره وسرقته وهدمه لاقتصاد البلاد.
فجأة، خرج السلفيون من ديارهم، قرروا تنفيذ شرع الله في شعب مصر المتسامح الذي تحرك في ثورة سلمية لم يوجه فيها رصاصة إلي أحد ولم يهدر دم من ظلموه. شمّر السلفيون عن سواعدهم، أعلنوا الحرب علي ما يرونه مخالفا للدين، بدأوا بالضعفاء، استولوا علي ما ليس من حقهم، سلبوا من الحكومة حقها في تنفيذ الأحكام، قطعوا أذن مواطن قبطي بسيط دون محاكمة، وطردوا امرأة من منزلها بدعوي أنها سيئة السمعة، دون أن يتركوا لها فرصة للدفاع عن نفسها، أو يتعرفوا علي ظروفها التي أدت بها إلي هذا الفعل إن كان صحيحا، ولم يسمحوا لها بمراجعة نفسها والتوبة إلي الله.
أصبح واضحا أن السلفيين ينتهجون بث الرعب في نفوس الناس، وإشاعة الخوف من الدين بدلا من الخوف من الله، أو علي الأصح الخوف من أشخاص يرتدون ملابس بيضاء ويطلقون اللحي، وأذهانهم مبرمجة علي طريقة تفكير واحدة، هي ما تلقنوه من تعليمات من مشايخهم دون أن يتوغلوا في الدين برفق، وينعموا بسعة هذا الدين وسماحته، اختاروا التضييق علي التوسعة علي الناس.
لم يكتفِ السلفيون بمعاقبة الضعفاء، وإنما قرروا الحرب علي الأموات، حملوا فؤوسهم وتوجهوا جماعات إلي أضرحة الأولياء والصالحين، يهدمونها بهمة وعزيمة قوية اعتقادا منهم بأنها دليل علي الشرك بالله، ناسين أنهم بهذا الصنيع يعادون قطاعا كبيرا من المصريين الذين يحبون آل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم والأولياء الصالحين، ليس اعتقادا منهم بأن أصحاب الأضرحة ينفعون أو يضرون، ولكن حبا في رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي ينتمي إليه آل البيت، وحبا في دين الله الذي يدعو إلي التسامح، ويطبقه المصريون ببساطة وتلقائية دون تكلف، وتشعر بالروح الإيمانية تحيط بهم وهم يؤدون ما فرضه الله عليهم. المصريون ذ سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين- يؤدون شعائر دينهم عن حب، ويكرهون أن يمارسوها شكلا دون روح، ولن يفيد فرض التدين علي الناس قهرا.
لقد أصيبت مصر بزلزال عصر الجمعة الماضية، اعقب هدم الأضرحة في عدة محافظات من الوجه البحري، لكن الزلزال الأقوي الذي أحدثه السلفيون هو بث الفتنة والانقسام بين المصريين، وتحويلهم إلي جماعات، كل جماعة منهم تعتقد أنها الناجية وتظن أنها علي حق، لتكون حربا من أجل الهدم بدلا من البناء. ليت السلفيين يشاركون في بناء مصر، ويضعون أيديهم في أيدي بقية الجماعات الإسلامية والمصريين جميعا من أجل هدف واحد، هو بناء اقتصاد مصر ورفع قيمة العلم والعمل والإنتاج وحب الوطن. إن الرسول صلي الله عليه وسلم حين بدأ الدعوة لم يهدم الأصنام، وإنما ركز علي بناء النفوس وصناعة الرجال، وبرسوخ الإيمان في النفوس لا يمكن أن ينتقل إليها الشرك، وتذكروا أن الصحابة حينما فتحوا مصر لم يحطموا التماثيل المنتشرة في المعابد، لأن مهمتهم كانت البناء وليس الهدم.. أيها السلفيون لا تزلزلوا الوطن.
التعليقات