الحزب القائـد والطائفـة القـائـدة (1 من 2)


انتقال السلطة إلى ضباط الريف السنّة مهّد لوصول العلويين

الكويت - صالح السعيدي


ظهرت الطائفة العلوية في القرن الخامس هجري من رحم الفكر الشيعي ولعدة قرون وحتى قيام الدولة الوطنية السورية بعد الحرب العالمية الثانية، كانت الطائفة العلوية في معظمها من الفلاحين، وكان الجزء الأكبر من العلويين يعملون كأجراء في سهول سوريا الشمالية تحت تبعية كبار الملاك الذين كانوا في معظمهم من المسلمين السنة،
عشائريا يتقسم العلويون الى اربع مجموعات هي الكلبية، الحدادين، الخياطين والمتاورة، وبالإضافة الى الانقسام العشائري فان العلويين يختلفون مذهبيا، بين قمرية وشمسية والمرشدية. وقد أدت المتغيرات العميقة والتحولات الجذرية التي شهدتها سوريا عبر العديد من الانقلابات العسكرية وصراعات التيارات الأيدلوجية والطائفية، الى تحولات في مواقع الطوائف في سوريا لاسيما الطائفة العلوية، على صعيد النخب العسكرية والاقتصادية، فرغم ان نسبتهم بين مجموع السكان لا تتجاوز %10 فان العلويين نجحوا من خلال دخولهم المؤثر في التفاعلات السياسية التي مرت على سوريا في تطوير وترقية مواقعهم ومكانتهم داخل المجتمع والدولة في سوريا، وخلال خمسين عاما منذ الاحتلال الفرنسي لسوريا 1920 وحتى تولي ابن الطائفة حافظ الاسد مقاليد السلطة عام 1970، طافت الطائفة العلوية بمراحل واطوار مختلفة من الصعود والتراجع، وساهمت التحولات العاصفة والمتغيرات الحادة التي مر بها السوري عبر عشرات الانقلابات العسكرية ومحاولات العصيان والتمرد، ومختلف اشكال الصراع الايدلوجي والفكري والمناطقي في احداث تغييرات عميقة على مستوى العلاقات بين الطوائف السورية وفي مكانة ومواقع تلك الطوائف، وفي جميع تلك الصراعات والمواجهات العسكرية والحزبية التي شهدتها سوريا كان العلويون دائما في الموقع الصحيح المنتصر، الامر الذي سمح بتدرج مكانتهم من خارج النخبة قبل 1963 الى مرحلة التواجد الفعال ما بين 1963 الى 1966 وصولا الى مرحلة القيادة والسيطرة على الجيش والحزب في الفترة مابين 1966 - 1970 بقيادة صلاح جديد، انتهاء بوصول اول علوي الى السلطة في سوريا عام 1970، ومن ثم استمرار حكم عائلة الاسد العلوية بتوريث الحكم إلى الرئيس بشار الأسد عام 2000.

قيام الدولة الوطنية


في يوليو 1920، احتلت الجيوش الفرنسية دمشق وأسقطت الحكم الهاشمي، وفي أغسطس 1920 اصدر الفرنسيون عدة قرارات قسموا فيها سوريا إلى دويلات هي (دولة دمشق، دولة حلب، دولة العلويين، حكومة جبل الدروز) وقد كانت اللاذقية تابعة لحكومة العلويين.
وفي 1922، أصدر الجنرال غورو قرارا بفصل مقاطعة اللاذقية عن سوريا وأعلن انشاء دولة العلويين وعاصمتها اللاذقية، وتم فصلها إلى سنجقين هما: اللاذقية وطرطوس. وأثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا شكل الفرنسيون جيش المشرق الذي ضم في غالبيته كتائب من الأقليات من العلويين، الدروز، الإسماعيلية، الأكراد، الشركس والبادية، وقاموا بمنح الأقليات امتيازات خاصة في القوانين، وكان من جراء ذلك ان اتسع الشقاق بين العرب السنة وأبناء الأقليات الاخرى، حيث نظر السنة الى تلك الأقليات على أنها بيادق في خدمة المستعمر الفرنسي، وعند الاستقلال الاسمي عام 1943 عادت السيطرة إلى الأغلبية العربية السنية، وكان اول القرارات التي اتخذتها الحكومة الغاء جميع الإجراءات الممنوحة لمصلحة الاقليات التي منحت لها خلال الاستعمار الفرنسي، فتم إلغاء تمثيل الأقليات في البرلمان السوري، وجرى إلغاء محاكم الأحوال الشخصية للمذاهب الإسلامية الاخرى المخالفة للسنة كالعلويين، الدروز والاسماعيلين،

تشكيل جيش المشرق


كان للمستعمر الفرنسي الذي حكم سوريا منذ 1920 دور في تشكيل وتصميم تركيبة للنخبة العسكرية في سوريا، فمع المعارضة الشديدة والمتأصلة من سنة سوريا للاستعمار الفرنسي، سعى الفرنسيون الى تغيير موازين القوى داخل المجتمع السوري، فقاموا بتشكيل جيش المشرق، وهو قوة محلية أنشئت في عام 1921، تحت إمرة ضباط فرنسيين وكان عماده الاقليات المتواجدة في سوريا، وتكونت كتائب الجيش من كتائب علوية، درزية، إسماعيلية ومسيحية، بينما اقتصر الوجود السني على كتيبة كردية واخرى شركسية وكتيبتين من البدو، وقد أدت الخدمة العسكرية لابناء الطائفة العلوية إلى تأسيس بدايات تقليد عسكري علوي أصبح مركزياً في صعود الطائفة اللاحق فيما بعد، وشهدت سوريا المستقلة دخول أعداد كبيرة من أبناء الأقليات والأرياف في صفوف الجيش السوري، وادى انضمام عناصر جيش المشرق وغالبيته من الأقليات، إلى تضخم نسبتهم في الجيش السوري، وكان العلويون يشكلون نسبة كبيرة من هؤلاء،

المدن الأربع


كانت النخبة القائدة في سوريا المستقلة تنتمي في معظمها الى سنة المدن السورية، وابرزها المدن الأربع (دمشق- حلب، حمص وحماة )، فالحياة السياسية سيطر عليها حزبان يمثلان الهياكل التقليدية في المجتمع السوري هما الحزب الوطني: وأبرز قادته سعدالله الجابري ومعقل هذا الحزب مدينة دمشق، والأب الروحي له هو والرئيس شكري القوتلي.
وحزب الشعب: وأبرز قادته ناظم القدسي ورشدي الكيخيا ومعروف الدواليبي ومعقل الحزب مدينة حلب، مع تواجد في مدينة حمص والأب الروحي له الرئيس هاشم الأتاسي، أما القيادات السياسية والادارية العليا في المجتمع والدولة فقد هيمن عليها ابناء العائلات السنية التقليدية والكبيرة، وخلال 12 عاما بدءا من استقلال الدولة السورية 1946 وحتى انقلاب 1963شكل ابناء المدن السنية غالبية النخبة التي حكمت وادارت سوريا فجاء معظم الرؤساء والقيادات والوزراء من تلك المدن السنية الرئيسية.
لكن الهيمنة السنية في الإدارة والحكم والاقتصاد في سوريا كانت تتناقض مع التركيبة الطائفية لجيش الاستقلال السوري، فقد وجدت النخبة السنية نفسها في معادلة صعبة تمثلت في أنها تقود بلدا ينتمي معظم عناصر جيشه الى فئات تتنافر معها مذهبيا وطائفيا، فقد كان معظم المنضمين للجيش الجديد من بقايا جيش المشرق الفرنسي والذى كان أبناء الأقليات يشكلون غالبية عناصره.

الشيشكلي.. الاستعادة السنية


في ديسمبر 1949 قام العقيد اديب الشيشكلي بثالث انقلاب عسكري في سوريا، وطيلة 5 سنوات كاملة تحكم الشيشكلي بمفاصل الحياة السياسية في سوريا بشكل مستتر وغير مباشر تارة ومباشر وصريح تارة أخرى، وخلال سنوات حكمه، قام الشيشكلي (السني القادم من حماة) بتعزيز السيطرة السنية على القوات المسلحة السورية، واستطاع الضباط الحمويون تسلق القيادات العسكرية بسرعة تحت قيادته، ويذكر العقيد جاسم علوان (سني من دير الزور) ان الشيشكلي أمره بتفضيل العرب السنة في قوائم المقبولين بالكلية العسكرية السورية في حمص على حساب الأقليات الاخرى، وتعززت الكتلة الحموية في السلطة السورية بتعيين عبدالحميد السراج رئيساً للمخابرات عام 1955، ورافق ذلك اتساع النفوذ السياسي للزعيم السوري الشهير أكرم الحوراني الذي شجع أبناء مدينته حماة على الالتحاق بسلك الضباط في الجبش السوري، وقد شهد عقد الخمسينات تعزيز الوجود السني في المؤسسة العسكرية السورية،

الوحدة تكرس الهيمنة السنية
وساهمت الوحدة في عام 1958 بين مصر وسوريا في تعضيد وتقوية الكتلة السنية في الجيش السوري والاقليم السوري، ويبدو أن المصريين، وبفضل رجلهم عبدالحميد السراج رئيس المخابرات السورية قبل الوحدة، (كانوا على علم تام بتفاصيل المشهد السوري المعقد بتكويناته المذهبية والطائفية والمناطقية، ويفسر ذلك قيام القيادة المصرية بإسناد قيادة المناطق العسكرية السورية إلى الضباط السنة على وجه الخصوص، وكان أكثرهم من الكتلة الدمشقية (الشوام)، وفي موقف لافت للحساسية المصرية من تولي ضباط من غير السنة لمناصب قيادية في الجيش السوري، فقد اعترضت القيادة المصرية على تعييين المقدم جادو عز الدين (درزي) في منصب قائد الجيش الأول(السوري) رغم ان عز الدين كان ناصريا.


وتظهر جداول كتاب نيكولاس فان دام (الصراع على السلطة) ان نسبة الوزراء السوريين السنة في دولة الوحدة بلغت %94 من مجموع الوزراء السوريين، وهي اعلى نسبة في تاريخ الحكومات السورية،
وفي مقابل توزيع الضباط السنة على مناطق الداخل السوري، قام المصريون بإجراء اخر تمثل في نقل أعداد كبيرة من الضباط السوريين المنحدرين من الأقليات الدينية كالعلويين، الدروز والاسماعيليين إلى مصر، ورغم أن المصريين أرادوا بتلك الإجراءات إضعاف كتل الاقليات داخل الجيش السوري، وتكريس الهيمنة السنية، لكنهم أتاحوا -من دون قصد- لضباط الأقليات التجمع والتواصل والالتقاء في القاهرة، فكان ميلاد اللجنة العسكرية السورية الخاصة التي مهدت الطريق لانقلاب 8 مارس 1963 والذي كان البناء الذي انهى السيطرة السنية على الجيش السوري، ومن ثم التأسيس لالغاء الاحتكار السني للسلطة المدنية في سوريا.

اللجنة العسكرية الأولى


تأسست اللجنة العسكرية الأولى. من الضباط البعثيين الموجودين بالقاهرة الذين ساءهم قرار القيادة بحل الحزب عند قيام الوحدة مع مصر، ترأسهم الرائد محمد عمران( علوي) تكفل بإعادة تشكيل اللجنة ليكون فيها الأعلى رتبة.
وجاء التشكيل الجديد ليعكس غلبة واضحة للأقليات المذهبية في جسم البعث العسكري بعكس ما كان عليه سابق الحال في الخمسينات.
وكانت تركيبة أعضاء اللجنة الاولى مكونة من خمسة ضباط: ثلاثة علويين هم محمد عمران وصلاح جديد وحافظ أسد، والإسماعيليين أحمد المير وعبدالكريم الجندي، وفي مرحلة لاحقة توسعت اللجنة لتضم 15 عضوا كانوا كالتالي: 5 علويين 2 من الإسماعيلية 2 من الدروز (سليم حاطوم وحمد عبيد)، وستة من السنة منهم: (أمين الحافظ،( حلب) ومحمد رباح الطويل (اللاذقية) موسى الزعبي، ومصطفى الحاج علي، وأحمد سويداني (والثلاثة من حوران وهي من مدن الأطراف).


وبحساب النسب فقد شكل ضباط الأقليات ما مجموعه %60 من مجموع اللجنة بفارق كبير عن نسبتهم في المجتمع السوري (%12.5 فقط ) بينما شكل العرب السنة %40 من ضباط اللجنة، في حين ان نسبتهم تصل الى %70 من المجتمع السوري.
والواقع أن الضباط السنة ومنذ 1961 دخلوا في طور لا متناه من التآكل والانكماش العددي نتيجة صراعاتهم المستمرة... منها ما هو مستند الى خلافات ايدلوجية (قومي مقابل يميني، قومي مقابل شيوعي... قومي مقابل انفصالي... ناصري مقابل بعثي... اشتراكي مقابل يميني.. بعثي يميني مقابل بعثي يساري...) ومنها ما هو قائم على أسس مناطقية كصراعات الكتل الدمشقية. الحلبية الحموية الحمصية.

انقلاب الانفصال


في سبتمبر 1961 قاد عبدالكريم النحلاوي ومجموعة الضباط الدمشقيين انقلاب الانفصال عن الوحدة عن مصر، واصدر الانقلابيون لائحة بإبعاد 63 ضابطاً من الجيش، ونقلهم إلى وظائف مدنية. فغالبية هؤلاء الضباط من الوحدويين المستقلين أو البعثيين أو الناصريين، ورغم قيام الحكم الانفصالي باجراء انتخابات نيابية لتكريس الانفصال، فان سوريا دخلت في أزمات متتالية وفوضى عارمة، وفي 28 مارس قرر الانفصاليون، اقالة الرئيس واعتقاله ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان.
وردا على ذلك، قام قائد المنطقة الوسطى (حمص) العميد بدر الأعسر بتمرد تبعه عصيان في حلب بقيادة الناصري جاسم علوان في 30 مارس 1962 وقد دعا لإسقاط النظام بشكل كامل ولإعادة الوحدة السورية المصرية مثلما كانت، وتحولت الأحداث الى مواجهة بين المجموعات السنية بين الضباط الدمشقيين (الشوام) وكتل الضباط الحلبيين والحمصيين. وغاصت سوريا في حلقة مفرغة من الانقلاب والانقلاب المضاد.
وخوفاً من انقسام الجيش، عقد مؤتمر عسكري عام في حمص ابريل 1962، وقد ادت موجة تسريحات الضباط التي اعقبت الانفصال الى احتفاظ السنة بالغالبية في هيكل المؤسسة العسكرية السورية، وهو ما أظهره مؤتمر حمص فقد شارك في المؤتمر 36 ضابطا من السنة مقابل 5 فقط من الأقليات، أي أن نسبة الضباط السنة كانت حوالي %88 بالنسبة لمجموع الأقليات.
لكن المؤتمر شكل بداية تفكيك السيطرة السنية عندما اتفق في المؤتمر على ابعاد النحلاوي قائد الانفصال وتصفية كتلتة من الضباط (الضباط الشوام). وهي احدى اقوى المجموعات السنية.
وبعد 7 أشهر من إبعاده عاد النحلاوي إلى سوريا وحاول في 13 يناير 1963 قيادة تمرد عسكري. عبر حركة عصيان في كل من معسكرات الجيش، ادى فشلها الى تصفية شاملة لبقايا الضباط الدمشقيين (الشوام) في هرم القيادة العسكرية السورية.

انقلاب الثـامن من مارس 1963


بعد فترة مضطربة ومتوترة من حكم الانفصال استمرت لسنة واحدة وخمسة أشهر اشترك مجموعة من الضباط الناصريين القوميين بالاشتراك مع ضباط بعثين ومستقلين في انقلاب عسكري في 8 مارس 1963، وكانت اللافتة التي رفعها الانقلابيون الجدد هي إنهاء حكم الانفصال والعمل على إعادة الوحدة بين مصر وسوريا، وجرى تشكيل المجلس الوطني الأول للثورة مكونا من 4 ممثلين للبعث هم محمد عمران وصلاح جديد (علويان) وموسى الزعبي (سني من درعا)... وأمين الحافظ (سني من حلب) يتولى وزارة الداخلية.
اما الوحديون المستقلون فهم القائد العسكري للانقلاب زياد الحريري (سني من حماة) ورئيس المجلس الوطني للثورة لؤي الأتاسي (سني من حمص). وغسان حداد (سني من اللاذقية) وفهد الشاعر (درزي).
وعن الناصريين- وجميعهم من الضباط السنة- محمد الصوفي وزيرا للدفاع، راشد القطيني، درويش الزوني، كمال هلال، فواز محارب.
وعكست التركيبة الطائفية للمجلس الوطني لتعكس الغالبية السنية حتى ذلك التاريخ، حيث مثلوا بعشرة أعضاء من مجموع المجلس الثلاثة عشر وبنسبة %77 مقابل ثلاثة من الأقليات (اثنان من العلويين وواحد درزي).

الريف السني


لكن الاختلاف الحقيقي والتحول البارز جرى في شكل التركيبة السنية التي جاءت لمصلحة الريف السني ومدن الأطراف على حساب النخبة السنية التقليدية المنحدرة من المدن، فقد جاء ثلاثة ممثلين من سنة المدن هم لؤي الاتاسي (حمص) امين الحافظ(حلب) زياد الحريري (حماة) في مقابل 7 يمثلون الريف السني ومدن الأطراف، وفي الارتقاء العلوي للسلطة فقد تقلد محمد عمران عدة مناصب الى ان تقلد منصب وزير الدفاع، وتولى صلاح جديد مكتب شؤون الضباط ثم صار رئيساً للأركان العامة في الجيش، وصار حافظ الأسد القائد الفعلي للقوة الجويـة، لقد كان لذلك الانقلاب انعكاسات عميقة ومؤثرة في التاريخ السياسي والاجتماعي للدولة والمجتمع في سوريا، فقد احدث ذلك الانقلاب نقلة نوعية في أشكال الصراع على الحكم في سوريا، فقد هدم الانقلاب موقع الهياكل الاقتصادية والاجتماعية التي كان يقودها ويسيطر عليها سنة المدن، وأدت قرارات التأميم والقوانين الاشتراكية الصادرة الى تغيير ونسف مكانة البرجوازية السورية وإخراج طبقة التجار من دائرة القرار السياسي والاقتصادي في سوريا، وكان من تبعات ذلك ان تراجع الشكل الطبقي للصراع في المجتمع السوري بين الاغنياء والفقراء، وظهر عوضا عنه صراع بين الفئات الجديدة من الطبقات الفقيرة التي يمثلها العسكريون على أسس مختلفة تقوم على الاختلافات الطائفية والمذهبية، وشهدت سوريا في الأعوام التي تلت ذلك الانقلاب سعارا طائفيا بين السنة وأبناء الأقليات.

الصراع مع الناصريين


بعد إسقاط حكم الانفصال في سوريا وعودة البعث الى السلطة في العراق في مطلع 1963 أعيد العمل بمشروع الوحدة مع مصر من باب المناورة، واتخذت المباحثات هذه المرة مشروع وحدة ثلاثية بين الدول الثلاث مصر، سوريا والعراق، وعقدت مباحثات الوحدة الثلاثية في ابريل 1963، لكنها لم تؤد الى نتيجة، وأثناء المباحثات وغياب بعض أعضاء القيادة السورية في مصر أجرى صلاح جديد مدير مكتب شؤون الضباط في الجيش السوري تشكيلات وتنقلات للضباط الناصريين، وقد ادى ذلك إلى فتور عند الأعضاء الناصريين في المجلس الوطني للثورة.
وفي 1963/5/2 سرحت اللجنة العسكرية أكثر من خمسين ضابطاً ناصريا (سنياً)، مما حدا وزير الدفاع محمد الصوفي وراشد القطيني إلى الاستقالة من مجلس قيادة الثورة، ولحق بهما خمسة وزراء ناصريين، وازداد التوتر البعثي - الناصري عندما قام الناصريون بمظاهرات يوم 1963/5/8 فقام وزير الداخلية محمد أمين الحافظ بقمعها، وكانت اللجنة العسكرية لحزب البعث قررت البدء بتصفية كتلة قائد الانقلاب زياد الحريري الصغيرة لكونه الأسهل منالا واستعدادا للصدام الأوسع الحتمي والمرتقب مع الناصريين، ونفذ ذلك في 1963/6/23 عندما قام الحريري بزيارة الجزائر، فقامت اللجنة العسكرية بتطهير ونقل خمسة وعشرين ضابطاً من أهم مؤيديـه، ولم يسمح له بدخول سوريا فاختار التخلي عن السياسة والتقاعـد في باريس،
وردا على ذلك، قاد الناصري جاسم علوان (سني) محاولة انقلاب في يوليو 1963، لكن البعثيين تمكنوا من قمع التمرد فهرب جاسم علوان، وحوكم سبعة وعشرون ضابطاً ناصرياً (سنياً) وأعدموا فوراً، ويتهم الناصريون الضابط محمد نبهان (علوي) وهو احد المشاركين بالانقلاب الناصري الفاشل بانه كان متعاونا مع اللجنة العسكرية الخاصة، وقام بتسريب أسرار التحرك الانقلابي قبل حدوثه مما سهل قمعه وسحقه،
وهكذا وفي غضون أربعة اشهر حافلة ودموية بدءاً من مارس الى يوليو 1963 استطاعت اللجنة العسكرية التي يسيطر عليها العلويون ان تزيح شركاءها في الانقلاب من المستقلين والناصريين، وتمكنت الكتلة العلوية جراء تلك الانقلابات والتقلبات من تصدر قيادة المؤسسة العسكرية السورية، وان تضعف المجموعات السنية المنافسة في الجيش السوري.

الطوائف والطائفية في سوريا


لاسباب عديدة وموضوعية لا توجد مصادر موضوعية موثوقة ومعتمدة للخريطة الطائفية في سوريا، الا ان الارقام التقديرية من مصادرها العربية والغربية المتوافرة عن سكان سوريا، تشير إلى القول على وجه التقريب ان توزيع الطوائف على النحو التالي:


71 - %72 العرب السنة
5 - %6 الأكراد السنة
%1 التركمان السنة
%0.5 الشركس السنة
مجموع السنة %77.5 - %79،5
%8 الى %9 العلويين العرب
%2 الدروز العرب
الاسماعيلية العرب %0.5
مجموع الاقليات المسلمة غير السنية (%10،5 - الى %11،5)
%8 مسيحيون غالبيتهم من الأرثوذكس والأرمن