الحسين الزاوي

كان استقرار الخليج وأمنه ولا يزالان يمران عبر نسق علاقاته المعقد مع محيطه الإقليمي والجغرافي المباشر الذي تلعب فيه كل من العراق وإيران دوراً محورياً وحساساً في اللحظة نفسها، ويمكن أن نبرز في هذا السياق أن العلاقة الخليجية بهاتين الدولتين لم تكن تسير على الوتيرة نفسها خلال العقود الماضية، نتيجة التحولات الكبيرة التي طرأت على الوضع الداخلي لكلا البلدين . فقد وجدت دول الخليج نفسها مضطرة إلى تبني موقف داعم لمصلحة طرف إقليمي هو العراق على حساب الطرف الآخر ممثلاً في إيران خلال حرب الخليج الأولى، لكن غزو العراق لدولة الكويت في بداية التسعينات من القرن الماضي، أدى إلى تغيير كبير في معادلة الصراع ومن ثمة إلى تحول في بنية العلاقات الإقليمية، حيث شعرت دول الخليج بأهمية إقامة علاقة متوازنة مع إيران قائمة على الاحترام المتبادل، وعلى ومبادئ حسن الجوار والتزام كل الأطراف بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة .

تجدر الملاحظة هنا أن الغزو الأمريكي للعراق لم يغير كثيراً من طبيعة العلاقة بين مختلف الأطراف المطلة على مياه الخليج، فقد استمرت العلاقة الإيرانية بدول الخليج في السير بوتيرة مستقرة خاصة مع المملكة العربية السعودية، في الوقت الذي قفزت فيه العلاقات الإيرانية مع بعض دول الخليج مثل الكويت وقطر والإمارات إلى مستويات رفيعة . ودخلت في المرحلة نفسها العلاقات الخليجية مع العراق مرحلة التطبيع التدريجي، رغم استمرار وجود بعض الخلافات المتعلقة ببعض الملفات الخلافية، خاصة بين الكويت والعراق . لكن هذه العلاقة التي ظلت قائمة في مجملها على المجاملات الدبلوماسية، لم تتمكن من الصمود أمام أول اختبار جدي تعرفه المنطقة؛ فقد أبانت التطورات التي حدثت في البحرين عن مقدار هشاشة هذه العلاقات، كما أفصحت في اللحظة نفسها عن الدور غير المنتظر الذي يلعبه العنصر الطائفي في بنية العلاقات الخليجية مع كل من العراق وإيران، واتضح للجميع أن شيطان التفاصيل يختفي وراء جزئيات التاريخ القريب والبعيد، وأن العلاقات بين مختلف الأطراف تُخفي أكثر مما تظهر، كأن الألسنة باتت تنطق بكلمات لا تؤمن بها الأفئدة والقلوب .

وهكذا فقد تميز الموقف الإيراني من تطورات الأوضاع في البحرين بحدة بالغة، وبدا واضحاً لكل المتتبعين أن إيران تساند طرفاً بحرينياً على حساب طرف آخر، لذلك فقد اتسم موقفها بالكثير من العصبية والتشنج بعد تدخل قوات درع الجزيرة التابعة لمجلس التعاون الخليجي من أجل دعم الشرعية الدستورية في البحرين . ورغم تأكيد قائد هذه القوات على أنها لن تتدخل في تفاصيل المشهد البحريني، إلا أن الطرف الإيراني أصر على التخندق خلف موقفه وذهب إلى حد وصف قوات درع الجزيرة بأنها ldquo;قوات احتلالrdquo;، واستمرت بعد ذلك التصريحات الإيرانية المستفزة لدول الخليج رغم حرص هذه الأخيرة على التهدئة من أجل تجنيب المنطقة مخاطر أي انزلاق محتمل . والحقيقة أن الموقف الإيراني الأخير يمكن أن يفسر في جانب منه على الأقل، من منطلق تفاجئها بهذه القدرة الهائلة وغير المتوقعة التي أبدتها دول الخليج على مواجهة مشاكلها وأزماتها الداخلية، حيث بدا جلياً أن دول مجلس التعاون أضحت تملك زمام المبادرة بعد أن نجحت في مواجهة أول امتحان صعب، كما تبيّن للجميع أن المؤسسات الخليجية تتميز بالكثير من الصلابة والمصداقية خاصة بعد أداء قوات درع الجزيرة لمهامها بكل احترافية وكفاءة ومهنية عالية .

ويمكن القول عطفاً على ما سبق، أن أزمة البحرين كشفت المستور، فقد تمكنت دولة الكويت من تفكيك شبكة كانت تعمل على التجسس لمصلحة إيران، ليتضح بذلك أن مشكلة إيران مع دول الخليج ليست مرتبطة فقط باحتلال الجزر الإماراتية، وإنما تتعدى مفاعيلها وتفاصيلها هذا السقف بشكل كبير، ولتؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الطرف الإيراني يملك أجندات غير معلنة بشأن دول الخليج، لذلك فهو لا يرغب في الالتزام بأصول وأخلاقيات حسن الجوار وبمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانه الخليجيين . كما أن الأزمة البحرينية الأخيرة أبرزت أن هناك أطرافاً عراقية عديدة، باتت تملك تصورات ومخططات تتقاطع مع المخططات الإيرانية، وتحمل في مجملها أبعاداً طائفية، خاصة وأن هذه الأطراف العراقية تريد أن تجرد العراق من دوره القومي ومن التزاماته العربية لفائدة أجندات بعيدة كل البعد عن الانتماء الحضاري للشعب العراقي .

إن دول الخليج استطاعت أن ترسخ القناعة التي تبلورت لديها منذ سنوات عديدة، ومؤداها أن أحسن وسيلة من أجل الحفاظ على أمن واستقرار الخليج تكمن في المراهنة أولاً وقبل كل شيء على التعاون والوحدة والانسجام الداخلي، من خلال تسخير الطاقات الخليجية لدعم مسار تطور دول مجلس التعاون مصداقاً للمثل العربي القائل ldquo;ما حكّ جلدك مثل ظفركrdquo; .