عبدالله بن بخيت

كتبَ الأستاذ داود الشريان في عموده اليومي في جريدة الحياة عن ربيع الدراما المصرية القادم. مستعينا في نبوءته بالحرية التي سوف يحصل عليها الفن المصري بعد إسقاط حسني مبارك ورموز نظامه. ستلهم الأحداث كثيرا من كتّاب الدراما لتقديم أعمال غير مسبوقة. أشار الاستاذ داود إلى نقطة تتعلق بالانتقام. قد تتحول الفترة المقبلة إلى التشفي من النظام ورموزه. هذا ما سيحدث. فترة فتح الملفات ستكون مهمة وضرورية. المسافة بين الجلاد والضحية مازالت دامية، ومازال الضحايا أحياء في أصغر قرية في ريف مصر إلى سكان غزة البائسين. مازالت السينما والمسارح في الغرب تتشفى من النازيين حتى يومنا هذا رغم زوال كل أثر للنازيين من الوجود. في الواقع كل المنتجات الفنية الغربية عن تلك الفترة هي تشفّ ومرارة.

مبارك ليس ابن علي، ومصر ليست تونس. الألم في مصر ليس مجرد جوع أو ظلم سياسي كما كان الأمر في تونس. عانت ومازالت مصر تعاني من كارثتين غير مسبوقتين في تاريخ مصر والعرب: كارثة سبعة وستين وكارثة اتفاقية كامب ديفيد. ما جرى في مصر في السنوات الثلاثين الماضية مس الضمير المصري وقيمه. لن تستطيع الدراما في مصر أو في العالم العربي تجاوز الأحداث لتنعم بالفن المجرد. كل صفحة في كل ملف سياسي أو ثقافي أو اقتصادي ستكون ملحمة إنسانية كبرى. مصر في حاجة إلى سنوات طويلة لتقرأ كامل آلامها بضمائر الفنانين والأدباء. في سنوات كامب ديفيد التي نعيش اليوم لحظة انهيارها عمد إلى تغييب الفنانين والمثقفين وإقصائهم ليحل محلهم تجار المقاولات الفنية والكتاب المنتفعون وصحفيو المخابرات الذين تولوا الإعلام وتوجيه الرأي العام ليس في مصر بل في كثير من العالم العربي. من حسن الحظ أن مصر تتمتع بالخبرة والتراكم الثقافي الذي يؤهلها للقراءة الناضجة والمبدعة، ولكنها لن تنجو من التشفي على أي حال. سيكون دور الفن في الأيام القادمة التطهير إلى جانب الإبداع.لا أحد يستطيع أن يوقف التشفي والتعبير عن الألم وفضح الرموز فالكل يريد أن يعرف. ستكون الدراما والسينما واحدة من أهم الآليات التي ستأخذ هذه المعرفة إلى البيوت. نتذكر مسلسل رأفت الهجان موضوعه جعل منه المسلسل الأوسع مشاهدة في تاريخ الدراما المصرية، لمجرد أنه ناقض قيم اليأس والإذعان التي كرستها اتفاقية كامب دفيد وأكد أن أسباب الصراع مع الإسرائيليين مازالت قائمة لا تخفيها الوعود وأقلام المنتفعين. من الصعب التنبؤ بالمدارس الفنية التي سوف تتخلق فيها الأعمال الدرامية المصرية القادمة لكن موضوعها أصبح جاهزا. تجربة الفن المصري الممتدة أكثر من مئة عام لن تختفي أمام تيار التشفي والانتقام لكن ضغط الجماهير سيؤثر في توجهاتها. القضية ليست في الدراما وإنما في تداخل الدراما مع الإعلام الجديد الذي سوف تتحول إليه مصر. المؤكد أن الإعلام المصري سينتقل من طور التوجيه الحكومي إلى فضاء واسع من الحرية. ما الدور الذي سيلعبه الإعلام في توجيه الدراما؟ هذا مرهون بما سوف تكشفه الملفات والفضائح المسلية..