الناصرة
انّ التطورات الاخيرة في العالم العربيّ، ايْ الثورات، تخدم (معسكر المقاومة) في الشرق الاوسط، والذي تقوده ايران، خاصة وان الزلزال ضرب في الاساس دولا من المعسكر المعتدل وعلى رأسها مصر، وهذه الدول المعتدلة كانت تقف في وجه معسكر المقاومة، وهو امر يضعف من موقف الولايات المتحدة ايضا، خاصة وان هناك دلائل على قوة وضع المعسكر الاسلامي خاصة في مصر، في ظل انشغال العالم ايضا عن الملف النووي الايراني.
وعلى الرغم من ان الثورات في العالم العربي لم تكن بمبادرة من المعسكر الاسلامي، ولكنها تسهم في احداث زخم يصب في مصلحته، وتضعف في المقابل المعسكر المعتدل الذي ينهار تماما. كما انّ الاحداث في الشرق الاوسط ستؤدي لانغلاق اللاعبين الاساسيين داخليا، وهو ما يزيد من عجزهم على الاحتشاد والعمل ضمن تكتل عربي، ومن يملئ الفراغ تدريجيا هي قوة غير عربية كانت توجد على هامش العالم العربي، وعلى رأسها ايران، تركيا واسرائيل، وهذه الدول تعمق تدريجيا من تأثيرها على الساحات الاساسية في العالم العربي وعلى رأسها العراق والخليج العربي والساحة الفلسطينية ولبنان، وساحة البحر الاحمر. هؤلاء اللاعبون، خاصة ايران، سوف يرون في زلزال الشرق الاوسط فرصة اضافية لزيادة نفوذهم في الساحات التي شهدت الاضطرابات الاكبر خاصة في مصر وشمال افريقيا والجزيرة العربية، هذا ما جاء في دراسة جديدة اعدّها مركز الامن القومي الاسرائيليّ التابع لجامعة تل ابيب، والتي شارك في اعدادها كوكبة من الباحثين المختصين في شؤون الشرق الاوسط، وتمّ نشرها على الموقع الالكتروني للمركز.
وتابعت الدراسة قائلةً انّ الشارع العربي الذي بدا خاضعًا ومستكينًا وغير مبالي، ظهر كعنصر محفز يحمل تاثيرا هائلا، يستطيع ان يغير انظمة امتدت سنوات. اما الجيوش في العالم العربي التي اعتبرت على انها خاضعة تماما للنظم، فقد ابدت قوة غير متوقعة، الحركات الاسلامية التي وصفت بصفة عامة على انها تهديد مركزي على الانظمة في المنطقة، ظهرت، على الاقل في المرحلة الحالية، منضبطة تماما. الاتحاد الاوروبي الذي ابدى معظم اعضاؤه تحفظا من استخدام القوة في الشرق الاوسط، اصبح عمود فقري للمعركة ضد نظام القذافي في ليبيا (بقيادة فرنسا). الولايات المتحدة الامريكية تفاجئ باعطاء ظهرها لحلفائها المخضرمين، وبذلك فهي تظهر انها لم تستخلص الكثير من دروس الماضي.
علاوة على ذلك، تتساءل الدراسة عن المغزى من شعار (الشعب يريد اسقاط النظام) وما هي المطالب الفعلية للمجتمع، والذي في النهاية اظهر قوة وتأثيرا كبيرين، وكيف ان الثورة في تونس كانت الاولى، غير ان الثورة في مصر كانت الاهم والاكثر تغطية اعلامية. وعلى الرغم من خلع رأسي النظام في مصر وتونس، غير ان الجيش ما زال يسيطر على مقاليد الامور، وبذلك فان الامور لم تُستكمل بعد، ومع ذلك من الصعب تحديد سمات القوة الاجتماعية الجديدة، والتي تقوم في الاساس على الشباب، وهي ظاهرة لم تحدث سوى في الثورة الايرانية، لذا فان الشعوب العربية لم تنضج بعد لترسيخ نظام سياسي عصري وادارة ديمقراطية سليمة، مع انه اثبت نفسه في الاحداث الاخيرة. ومع ذلك لا تعتبر الدراسة ان تطلع الشعوب العربية للديمقراطية مصحوب بتطلع للغرب في البعد الثقافي والفكري، ولكن العكس هو الصحيح، حيث ان قسمًا بارزًا من الحركة الاحتجاجية، حتى غير الاسلامية تحمل عداءً للغرب بصفة عامة، وللولايات المتحدة الامريكية واسرائيل بصفة خاصة. وكيف ان قسما كبيرا من المتظاهرين هم من الاسلاميين، وانه من الصعب العثور على فارق جوهري بينهم وبين العلمانيين، لذا ينبغي ان يكون هناك حذر في قياس الامور، خاصة وانه لم تتم ملاحظة (معسكر سلام) بالمفهوم الذي تعرفه اسرائيل والغرب. كما ان جماعة الاخوان المسلمين في مصر وتونس اندمجت بين التظاهرات الشعبية وحصلت على اعتراف غير مسبوق.
وركّزت الدراسة على وضع الجيش المصري في التطورات الجديدة، خاصة وانه يدير شؤون البلاد حاليا بعد سقوط النظام. وفي دول اخرى مثل سورية والبحرين والاردن يمثل الجيش مصالح الاقلية الحاكمة، لذا فهو يواجه نظرة عدائية من القطاع الاكبر من المواطنين، ولكن بصفة عامة اثبتت الجيوش العربية انها تعود لتحتل المكانة السياسية الاهم بصفتها المؤسسة الاكثر تنظيما في العالم العربي، وبذلك سيكون وضع هذه الجيوش اشبه بوضع الجيش التركي الذي حافظ على الطابع العلماني وقيد من صعود الاسلاميين.
وحذّرت الدراسة المحللين من التسرع في اعتبار موجة الاحتجاج في العالم العربي مماثلة لما يعرفونه من تجارب الماضي. فما حدث لا يشترط ان يكون ما يريده الغرب من الشرق الاوسط، ولا يحتم انه توجه فكري وثقافي نحو القيم الغربية، او العلمانية والتعددية الفكرية، وليس دليلا على تبلور معسكر سلام يريد التصالح مع اعداء العالم العربي والاسلامي، خاصة اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية.
وتقول الدراسة: انه تطلع لديمقراطية اخرى، منعزلة بشكل كبير عن الوصف العالمي او الغربي، وتغيير اساسي، جزء كبير من سوابقه من الصعب تحديد صورتها بدقة.
واضافت ان التطورات في الشرق الاوسط خاصة في مصر تحمل ابعادًا استراتيجية كبيرة بالنسبة لاسرائيل، ولخصتها في عدد من النقاط كالتالي: استقرار اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل، كاساس استراتيجي مهم جدا لاسرائيل، والذي قامت عليه نظرية الامن الاسرائيلي في العقود الثلاثة الماضية، واي تغيير في النظام، خاصة امكانية صعود نفوذ الاخوان المسلمين، يعطي امكانية كبيرة لتغيير نظرية الامن الاسرائيلي.
ثانيا: انشغال العالم، خاصة امريكا بما يحدث في الشرق الاوسط، يشتت الانتباه عن قضية البرنامج النووي الايراني، كما انه يدفع عددا من الدول الى وقف خطواتها ضد ايران على الصعيد الاقتصادي والسياسي، والعسكري، خشية تفاقم عدم الاستقرار في المنطقة. وتزعم الدراسة ان معسكر المقاومة يستمد طاقة وقوة من ضعف الانظمة العربية المعتدلة، ومن الورطة العميقة للولايات المتحدة الامريكية، وسوف ترى عناصر المعارضة في ذلك بداية لمجال عمل مريح جدا على جميع الاصعدة خاصة الصعيد العسكري، وفرصة لتعميق تأثيرها على دول المنطقة التي توجد حاليا في مرحلة اعادة التشكل من جديد، وفي المقابل، زعزعة نظام بشار الاسد سوف يمس بقوة وتكتل معسكر المقاومة بصفة عامة وتأثير ايران على المنطقة بصفة خاصة. وفي حال اقترب نظام الاسد من نهايته، فان جزءا من جماعات معسكر المقاومة سيحاول التصعيد مقابل اسرائيل في محاولة لمنع انهيار نظام البعث في دمشق. وتقول الدراسة انّ التطورات في الشرق الاوسط خاصة في مصر وسورية تضع امام اسرائيل تحديات امنية اكثر، وتقلل فرص دفع المسيرات السياسية بالنسبة لاسرائيل.
التعليقات