يوسف الكويليت

الجبهة الساخنة تجاه الثورات هي وسائل الإعلام العربية والدولية، وهي منابر تبارت على نقل الحدث أياً كان مصدره، رسمياً، شخصياً مندساً، أو حقيقياً، وقد كان الدور كبيراً سواء لنقل الواقع الذي تراه الجهة المقصودة تحريضياً، أو ما تراه وسيلة النقل حقاً قانونياً، بفضل تقنية الاتصالات واتساع وسائل النشر عن الماضي، عندما كان المذياع هو خط التواصل والنقل للانقلابات والحروب، ولكن بشكل أحادي الجانب أي ينطق بما توظفه صاحبة المصلحة في الدول العربية، ما جعل إذاعة لندن المصدر الحقيقي للنقل الصريح للأخبار سواء غلفتها بموضوعية خادعة مثلما جرى في حرب السويس على مصر، أو الانقلابات ذات الوجه اليساري المواجه للغرب عقائدياً، أو ما يترجم ويتلاءم مع أفكارها واتجاهاتها..

في الوقت الراهن لو نقلت أجهزة التصوير وقائع تقبل التصديق، فالتدليس وارد إذا ما تم تركيب صور للحدث، وقد كان للمحطات الإيرانية الكثير من الخدع في أحداث البحرين، وما زعمته من قيام مظاهرات في المملكة، وهي مجرد انصراف مصلين من أحد المساجد رُكبت عليه لوحات وشعارات تناسب اللعبة الإعلامية الكاذبة بخدعة بصرية للصورة..

لاشك أن الإعلام لعب الدور الأساسي في المشهد العربي الراهن، سواء أكان فضائيات أم وسائط تواصل اجتماعي، أي أن التعتيم والحجب، وإيقاف المراسلين، وكل الطرق القديمة التي مارستها السلطات، أصبحت بلا جدوى، وهي فضائل العقول التي ابتكرت التكنولوجيا الحديثة التي حوّلت العالم إلى عالم مفتوح بلا سواتر وحواجز..

الإعلام العربي مهما كانت سيئاته ودلالاته التي يتخذها، أحياناً، على شكل ثارات وانتقام وتشفّ، إلا أنه كسر الحلقات المعتمة بين المواطن، وخفايا السلطة، ولعل القيمة الفعلية أنه حرر العقل من القبول بالواقعة من جانب واحد وسط خيارات عديدة يستطيع من خلالها الفرز بين ما هو حقيقي ومزيف سواء من خلال هذه الوسائل أو ما تنقله جهات عالمية أخرى ربما تختار الحيادية والصدق..

هذه الثورة التقنية ضاعفت الوعي العام، وطورت المفاهيم وتحوّل العالم الخارجي إلى متفاعل بما يجري في الكون، وهي المرة الأولى التي يشترك الرأي العام الداخلي مع الخارجي بنفس الاهتمامات والتفاعل..

هناك قضية مهمة وسؤال مفتوح على العديد من الإجابات، هل الإعلام محايد وموضوعي، ويحترم الشرعية الدولية، وحقوق النشر؟ لا أعتقد ذلك لأن في باطن كل دولة، ولو كان إعلامها يتمتع بحرية تامة، فإن طغاء المصلحة الوطنية أو القومية يتم توظيفه ببراعة لهذه الأهداف، وقد شهدنا كيف عالجت وسائل الإعلام الدولية الاعتداء على غزة بما يشبه التعتيم، وإظهار أقوال إسرائيل كحقائق، وهي نموذج للعديد من القضايا، ومع ذلك فمن يملك العقل وتوصيل الرأي والخبر بمنطق صحيح، يستطيع أن يجد لصوته الصدى داخلياً وعالمياً، بفعل مساوٍ للإعلام الدولي..