الوطن البحرينية:
كشفت الأزمة السياسية التي تمر بها مملكة البحرين حجم التدخلات من قبل مجموعة من الأطراف الخارجية في الشؤون الداخلية للمملكة، فإذا كانت الحكومة أعلنت أن هناك تدخلاً كبيراً من إيران في الشأن المحلي، فإن هناك عدة مؤسسات دولية تقوم بأدوار داعمة للأدوار التي تقوم بها إيران من أجل إسقاط نظام الحكم باسم المطالبة بالديمقراطية ومزيد من الحريات والحقوق السياسية. على مدى شهر ونصف الشهر تبيّن وجود تنسيق واتصالات مستمرة ومكثفة بين القوى السياسية التي طالبت بإسقاط النظام السياسي، وقامت بأعمال الإرهاب والعنف السياسي من جهة، وبين هذه المنظمات الدولية التي مازالت تواصل حملتها ضد البحرين في الخارج، حتى تمكنت من تشكيل رأي عام دولي مؤيد ومتبني وجهة نظر هذه المنظمات رغم أنها مبينة على بيانات مغلوطة وحقائق غير دقيقة. مثل هذه العلاقات بين القوى السياسية المعارضة والمنظمات الدولية كانت قائمة منذ عقود طويلة، ومن الصعب تفسيرها بأنها وليدة هذه اللحظة، فعلى سبيل المثال كانت أحداث حركة الاحتجاج السياسي التي شهدتها البحرين خلال التسعينات الماضية مدعومة بشكل كبير من منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات التي كانت تنظر إلى أن المطالبات في تلك الفترة هي مطالبات سياسية بحتة، ولا تمثل أية مطالب تتعلق بإسقاط النظام السياسي، أو لها ارتباطات مع إيران وحزب الله وغيرها. من هنا يطرح هذا الملف بالمناقشة والتحليل الدور الذي تقوم به المنظمات الأجنبية في البحرين بتفصيل الأسباب والدوافع التي تدفعها لتحقيق ذلك، بالإضافة إلى عرض مظاهر هذه التدخلات، وتقديم نموذجين أساسيين لبيان هذه التدخلات، وهما الدور الذي تقوم به منظمة أطباء بلاحدود، ودور منظمة العفو الدولية. ما هذه المنظمات؟ بمتابعة التصريحات والبيانات الأساسية في الإعلام الدولية يمكن ملاحظة درجة اهتمام كل منظمة بالشأن البحريني، وهو ما يفسر درجة اهتمام كل واحدة منها. واللافت أن جميع هذه المنظمات تصنف ضمن المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان في العالم، ولكن من الواضح أن لها أجندة ومرئيات تجاه استغلال حقوق الإنسان لخدمة أغراض سياسية. هذه المنظمات التي تعمل حالياً على تشويه سمعة البحرين تشمل: منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، ومنظمة أطباء بلا حدود، ولجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ولجنة حقوق الإنسان بالاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى المعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية (إن دي آي) الذي أغلقت البحرين مكاتبه في المنامة قبل عدة سنوات. تدخلات ذكية فيما يتعلق بأسباب تدخلات هذه المنظمات الدولية في الشأن المحلي البحريني، فإن هناك مجموعة من الأسباب، وهي أسباب تتناقض مع الدور الذي يفترض أن تقوم به هذه المنظمات، فهي رغم دفاعها عن حقوق الإنسان، إلا أنها تنظر إلى هذه الحقوق من زاوية واحدة فقط، وتهمل الزاوية الأخرى، فعلى سبيل المثال عندما نتحدث عن حقوق المدنيين، فإنها تتحدث فقط حول ضحايا الأحداث السياسي من جانب من قام بها، وليس من جانب رجال الأمن أو حتى المواطنين الذين لم يتورطوا في مثل هذه الأحداث. أما بالنسبة للأسباب الأساسية التي تقف وراء اهتمام هذه المنظمات الدولية بالشأن البحريني وتدفعها للتدخل فيه باستمرار فإنها كالآتي: أولاً: توافق الأجندة مع المعارضة في البحرين: هناك توافق كبير بين أجندة القوى السياسية المعارضة في البحرين، وأجندة المنظمات الدولية. فالقوى السياسية البحرينية ترى أن الحل يتمثل في إسقاط النظام السياسي وهو ما يتيح إقامة نظام سياسي يضمن مزيداً من الحريات والحقوق السياسية ومزيداً من العدالة والانفتاح. أما بالنسبة للمنظمات الدولية فإنها ترى أن الإصلاح السياسي سيؤدي إلى مزيد من الاستقرار واحترام حقوق الإنسان، ولذلك فإن الأجندة والمطالب متوافقة وإن كان هناك اختلاف في الطريقة والشكل. والأخطر في هذا التوافق، هو أن دعم المنظمات الأجنبية للقوى السياسية المطالبة بإسقاط النظام السياسي يعني بشكل أو بآخر أنها تدعم حكم ولاية الفقيه المدعوم من قبل طهران. فهذه المنظمات لم تصدر مواقف واضحة وصارمة تجاه التدخل الإيراني، وإنما تركز جهودها في انتقاد الإجراءات والسياسة الرسمية للدولة حول الأوضاع السياسية. ثانياً: الارتباط مع إيران وحزب الله: هناك من يؤكد بأنه لا توجد علاقات بين المنظمات الحقوقية الدولية وإيران وحزب الله، ولكن معطيات الواقع تشير إلى خلاف ذلك، فمثل هذه المنظمات لا توجد لها تصريحات أو مواقف واضحة أو جهود كبيرة لممارسة مزيد من الضغوط على النظام الحاكم في إيران لاحترام حقوق الإنسان بعد الانتهاكات المتكررة التي يقوم بها النظام، سواءً في الأحواز أو غيرها من المناطق. وكذلك الحال بالنسبة لحزب الله الذي قام ومازال بالكثير من الممارسات التي أدت إلى انتهاكات لحقوق الإنسان في بيروت. ثالثاً: الارتباط مع السياسة الغربية الداعمة لإيران وحزب الله: إشارة إلى ما سبق، فإذا لم تكن هذه المنظمات داعمة لإيران وحزب الله، فإنها داعمة للسياسات الخارجية الغربية الداعمة لإيران وحزب الله بشكل غير مباشر. ففي معظم الأوقات لا نجد مثل هذه المنظمات توجه انتقاداتها للحكومات الغربية على تجاهلها لأوضاع حقوق الإنسان في طهران أو بيروت بسبب ممارسات إيران وحزب الله. وهو ما يكشف تشابك المصالح بين المنظمات الحقوقية الدولية من جهة وبعض البلدان الغربية من جهة أخرى. رابعاً: قوة العلاقات بين المعارضة والمنظمات الحقوقية الدولية: العلاقات بين القوى السياسية المعارضة والمنظمات الحقوقية الدولية ليست بالجديدة، وهي علاقات قديمة تعود إلى فترة ما قبل إطلاق المشروع الإصلاحي عام .2001 فخلال الفترة الممتدة من 1975 ـ 2001 تواجد العشرات من السياسيين في الخارج بسبب الظروف السياسية التي كانت تمر بها البحرين، وهناك بدءوا نشاطهم السياسي والحقوقي، وتعرفوا على المنظمات الحقوقية الدولية وشخصياتها وإداراتها، واستمرت هذه العلاقات حتى الوقت الحالي، وهو ما يشكل نقطة قوة لدى القوى السياسية المعارضة التي تطالب بإسقاط النظام السياسي. ويتيح المجال بشكل أكبر للمنظمات الحقوقية الأجنبية للتدخل في الشؤون البحرينية باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان. خامساً: استغلال حقوق الإنسان لتحقيق أهداف سياسية: يعد استغلال حقوق الإنسان للأغراض السياسية إحدى التهم والانتقادات الرئيسة الموجهة للمنظمات الحقوقية الدولية منذ سنوات طويلة، وسبب ذلك أن هناك تعاملاً مزدوجاً تجاه قضايا حقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال عندما تتبنى منظمة العفو الدولية المطالبة باحترام حقوق الأطفال، فإنها تعرض في تقاريرها الدولية صوراً ولقطات لأطفال تم استغلالهم في بعض الأنشطة السياسية، وهو ما يتعارض مع حقوق الإنسان. ورغم ذلك فإن هذه المنظمة لا تنتقد هذه الظاهرة تماماً، بل تحرص على تجاهلها باستمرار بشكل مقصود. سادساً: تكوين رأي عام دولي ضد البحرين: من أهم الدوافع التي تشجع المنظمات الدولية على التدخل في الشأن البحريني هو سعيها المستمر لتكوين رأي عام دولي ضد البحرين باعتباره أحد الوسائل التي تستخدمها مثل هذه المنظمات للضغط على الحكومات، كما أن القوى السياسية البحرينية من مصلحتها تشكيل رأي عام دولي حتى تتمكن من تحقيق مطالبها بشكل سريع وفوري. سابعاً: التأثير في وسائل الإعلام الأجنبية: يمكن التعرف على قدرة المنظمات الدولية في تشكيل الرأي العام في تأثيرها الكبير على وسائل الإعلام، فدائماً ما تحرص وسائل الإعلام الدولية على نقل أخبار ومواقف وبيانات المنظمات الدولية، وبالتالي يتم نشر هذا الموقف على أوسع نطاق دولياً، مما يؤدي بشكل سريع إلى تشكيل رأي عام دولي مؤيد لموقف هذه المنظمة الدولية. أيضاً تحرص المنظمات الدولية على التواجد في وسائل الإعلام، لأن غيابها أو ابتعادها عنها يعني انتهاء قدرتها على التأثير دولياً. خمسة مظاهر للتدخل يمكن تقسيم مظاهر تدخل المنظمات الأجنبية في الشأن البحريني إلى خمسة مظاهر تشمل مجالات متعددة، وهي: أولاً: إصدار بيانات إعلامية مستمرة ضد البحرين: شهدت فترة الشهر ونصف الشهر الماضية إصدار عدد كبير من البيانات والتصريحات الإعلامية من قبل المنظمات الدولية ضد البحرين، ومعظم هذه البيانات تستند إلى وجهات نظر القوى السياسية المعارضة، وتنقصها الدقة والموضوعية. ثانياً: إقامة ورش وندوات مشتركة بالخارج: على مدى سنوات وطويلة، وحتى الآن مازالت المنظمات الدولية تقيم سلسلة من ورش العمل داخل وخارج البحرين لمناقشة الأوضاع الداخلية، ويتم دعوة عدد من الذين يسمون بنشطاء حقوق الإنسان من البحرين وغيرها لمناقشة الأوضاع المحلية. وساهمت هذه الورش والندوات في تدريب مجموعة من الشخصيات التي تعمل حالياً على تشويه سمعة البحرين في الخارج وإقامة اتصالات مع المنظمات الأجنبية نفسها. ثالثاً: إصدار تقارير حقوقية دولية ضد البحرين: صدرت مجموعة من التقارير الحقوقية ضد البحرين من قبل المنظمات الأجنبية، وشملت هذه التقارير مجموعة من القضايا كطريقة تعامل رجال الأمن مع المتورطين في مؤامرة إسقاط النظام، أو تدخل قوات درع الجزيرة، بالإضافة إلى التعامل الرسمي مع مجمع السلمانية الطبي وغيرها من القضايا. ودائماً ما تعتمد مثل هذه التقارير على معلومات غير صحيحة وغير دقيقة وهو ما يعكس عدم مصداقية أنشطة مثل هذه المنظمات. رابعاً: تدريب المعارضين بالخارج: اتصالاً بإقامة الورش والندوات الحقوقية المشتركة بالخارج، فقد ساهمت تدخلات المنظمات الأجنبية في البحرين على تدريب عدد من المعارضين السياسيين بالخارج للعمل على تشويه سمعة البحرين، والعمل ضد الدولة. خامساً: الضغط على الحكومات الأجنبية لدعم المعارضة: يقوم المسئولون في المنظمات الأجنبية بإجراء الاتصالات وممارسة الضغوط عبر وسائل الإعلام واللوبيات الموجودة في الدول الغربية للضغط على حكومة البحرين للاستجابة إلى مطالب القوى السياسية المعارضة. ويعد هذا المظهر من أخطر أنواع التدخلات التي تقوم بها هذه المنظمات، خصوصاً وأنها تستخدم في ذلك وسائل الإعلام التي تملك تأثيراً قوياً عليها.
التعليقات