خيرالله خيرالله


هل فاجأ الليبيون العالم وبدأوا ثورتهم في وقت لم يكن أحد ينتظرها؟ بكلام أوضح، هل بدأت الثورة في ليبيا قبل أن يحين أوانها وتستتب الأمور في مصر؟ مثل هذا الاحتمال وارد إلى حد كبير في ضوء ردود الفعل الأميركية على الحدث الليبي. هناك أحياناً رغبة في الحسم العسكري ثم تراجع عنه تليه مرحلة من الجمود تكرس أمراً واقعاً يحتمل أن يستمر أشهراً عدة. يتمثل الأمر الواقع في معارك صغيرة في هذه المنطقة أو تلك من دون مس بوجود كيانين منفصلين عاصمة أحدهما طرابلس والآخر بنغازي.
كان طبيعياً أن يثور الليبيون يوماً. فبعد ما يزيد على أربعين عاماً من الحكم الفردي الذي سعى إلى تدجينهم والاستخفاف بعقولهم، اكتشفوا أنهم لا يزالوا ليبيين وأنهم يرغبون في العودة إلى ما كان عليه بلدهم قبل العام 1969 تاريخ حصول الانقلاب العسكري الذي قاده ضابط شاب متحمّس اسمه معمّر القذافي. اكتسب القذّافي خبرة كبيرة في كيفية السيطرة على ليبيا وعلى الليبيين. مارس هذه الهواية، مع هوايات أخرى، منذ وصوله إلى السلطة. بدا أنه يتلذذ في اخضاع مواطنيه واللعب على التناقضات القائمة في ما بينهم بما في ذلك على الحساسيات الشخصية بين رئيس هذا الجهاز الأمني أو ذاك، أو بين مسؤول عن إدارة قطاع معيّن وآخر يتدخل في شؤون هذا القطاع...
كان في استطاعة القذّافي بناء نظام متحرر يعود بالخير والرفاه على أبناء شعبه، لكنه اعتمد سياسة تقوم على تدجين الشعب عن طريق افقاره. هنا يكمن الفشل الأكبر للزعيم الليبي الذي اعتقد أنه بلغ مرحلة لم يعد فيها مواطنوه قادرين على طرح أي سؤال من أي نوع كان بما في ذلك أين ضاعت ثروات البلد، ولماذا تدخلت ليبيا في هذه المنطقة من العالم أو تلك... وصولاً إلى الفيليبين؟
لم يفاجئ الليبيون القذّافي وحده، بل يبدو أنهم فاجأوا الأميركيين والأوروبيين أيضاً. وهذا يعني في طبيعة الحال أن هناك حاجة إلى مزيد من الوقت لبلورة سياسة دولية واضحة تدعم الثوار الليبيين في حال أحسنوا التصرف في الفترة المقبلة وطمأنوا كل من استثمر في ليبيا معمّر القذافي إلى أنه لن يلحق الضرر بالمشاريع التي أخذوا على عاتقهم تنفيذها.
من الواضح أن هناك قراراً اوروبياً بالانتهاء من النظام القائم في ليبيا. ما كان شخص من طينة رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني يتجرأ على الإعلان عن أن بلاده ستشارك في الغارات الجوية على القوات الموالية للقذّافي لو كان يمتلك أدنى شك في أن النظام قابل للاستمرار. ولكن يبدو أن الأميركيين يحتاجون إلى بعض الوقت لتحديد ما الذي يريدونه بالفعل من ليبيا وما الوسائل التي سيعتمدونها للتخلص من النظام؟ ما الذي ينتظره الأميركيون الذين يعتبرون أن النفط الليبي يجب أن يكون تحت سيطرتهم وأنه ليس مسموحاً لأي طرف آخر التحكّم به؟ الجواب المحتمل أنه إلى ما قبل أيام من اندلاع الثورة في ليبيا لم تكن لدى واشنطن سياسة تقوم على التعاطي مع بدائل من معمّر القذافي. ربما كان ذلك عائداً إلى أن شركات النفط الأميركية حصلت على ما تريد الحصول عليه من ليبيا واستثمرت مئات ملايين الدولارات في هذا الحقل. ظنّ الزعيم الليبي أن في استطاعته ممارسة كل الهوايات التي يحبها بما في ذلك تمكين برلوسكوني من تقبيل يده أو القاء خطاب طويل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والتدخل حيث يشاء في أفريقيا... ما دامت شركات النفط الأميركية راضية على نظامه!
فاجأ الليبيون الأميركيين قبل أن يفاجئوا القذّافي. ربما كان هناك تفكير في واشنطن في كيفية التعاطي مع مرحلة ما بعد القذّافي ولكن بعد وضوح الصورة في مصر. هذا ما يفسّر إلى حد كبير التردد الأميركي في الذهاب بعيداً في القصف الجوي واللجوء إلى استخدام قوات برية. وثمة من يقول أن هناك قنوات أميركية لا تزال تعمل حتى الآن على خط واشنطن- طرابلس.
قد تكون هناك حاجة إلى مزيد من الوقت كي تتبلور السياسة الأميركية الجديدة تجاه ليبيا. قد يساعد الموقف العربي العام المؤيد للشعب الليبي والداعم له في تسريع الانتهاء من التردد الاميركي. فالعرب أقدموا على خطوة مهمة تتمثل في اتخاذ موقف واضح من النظام في ليبيا التي سيستثمرون فيها مليارات الدولارات متى طويت صفحة laquo;الجماهيرية العظمىraquo;. فليبيا بشواطئها وصحرائها ومساحاتها الشاسعة وما تمتلكه من ثروات طبيعية وآثار لا تزال عذراء. إنها في حاجة إلى بنية تحتية. إنها في حاجة إلى جامعات ومدارس وموانئ ومطارات وطرقات وفنادق وحدائق عامة، وكل ما من شأنه إعادتها إلى وضع الدولة الطبيعية المزدهرة الواقعة على مرمى حجر من اوروبا. إنها في حاجة قبل أي شيء آخر إلى نظام ديموقراطي يعيد اللحمة بين أفراد الشعب ويضع حداً للانقسام والتقسيم. وهذه مسؤولية المجلس الانتقالي الذي عليه أن يبعث إلى العالم برسالة فحواها أن هناك ليبيا جديدة لا علاقة لها بالتزمت والتطرف، وأن كل ما يريده الليبيون هو فتح صفحة جديدة مع المجتمع الدولي والانتماء إليه. مثل هذا التوجه لا يطمئن العرب والاوروبيون فحسب، بل يدفع الإدارة الأميركية أيضاً إلى حسم أمرها في أسرع وقت والخروج من حال التردد التي تعاني منها.