إياد الدليمي

فجأة ودون مقدمات، تحول النظام السوري إلى صمام أمان المنطقة، وإن الشرق الأوسط سوف يشهد في حال انهيار هذا النظام سيطرة للأصوليين ومزيدا من العمليات الإرهابية التي ستدك العواصم العربية.
بهذا المنطق بدأت حكومة نوري المالكي في بغداد دفاعها عن النظام البعثي في سوريا، وأكرر النظام البعثي، المحظور بالكامل في العراق من قبل حكومة المنطقة الخضراء. في تصريح غريب، وصف خضير الخزاعي، وزير التربية السابق وأحد أركان ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي والمرشح لمنصب نائب الرئيس العراقي، ما يجري في سوريا بأنه مؤامرة، وأن انهيار النظام في دمشق سوف يقود الأصوليين والمتشددين لاعتلاء سدة الحكم هناك بكل ما يعنيه هذا الأمر من مخاطر على الدول المحيطة، على حد وصف السيد الخزاعي.
ولم يكتف الخزاعي بذلك بل راح يعدد مناقب النظام السوري، الذي ساند المقاومة في فلسطين ولبنان، وما يمكن أن يلحقه انهيار هذا النظام بهاتين المقاومتين، ولم يفت الخزاعي التذكير بأن بغداد ترغب في بقاء النظام الحالي بدمشق رغم الاتهامات العراقية السابقة للنظام السوري بأنه يقف وراء تسهيل دخول المقاتلين العرب، الإرهابيين من وجهة نظر الخزاعي.
وعلى طاري الخلاف بين بغداد ودمشق، الذي زال بعد أن بدأت أركان النظام السوري تهتز على وقع المطالب الشعبية، نتذكر كيف كانت بغداد لا تنفك عن اتهام النظام في سوريا بأنه يقف وراء كل تفجير يقع، بل إن الأمر تطور نهاية العام 2010 عقب موجة التفجيرات التي هزت بغداد في أغسطس من ذاك العام، عندما قال المالكي إنه سوف يرفع شكوى لمجلس الأمن الدولي متهما سوريا بالوقوف والتخطيط لمثل هذه العمليات.
بل إن المالكي وحكومة المنطقة الخضراء، كثيرا ما كانوا يطالبون نظام الأسد بتسليمهم البعثيين العراقيين الذين فروا من عمليات التطهير التي شنتها ميليشيات الحكومة، حتى وصل الأمر إلى التهديد باللجوء إلى المجتمع الدولي من أجل الضغط على سوريا في هذا الملف.
وفجأة، انتهى كل شيء، وزالت العوارض والعوائق بين بغداد ودمشق، ووجدت حكومة المنطقة الخضراء أن نظام الأسد جيد وأنه يمثل صمام أمان للمنطقة التي تعيش على واقع متفجر، وأنه حاضن للمقاومة، وطبعا المقصود بالمقاومة هنا وفقا لنظرية الخزاعي، هي مقاومة حماس ومقاومة حزب الله، وليس المقاومة العراقية، لأن العراق دولة ديمقراطية متحضرة ولا تعاني من احتلال أميركي، وليس فيها فساد أو محاصصة ولا تعيش على واقع النهب والسلب الحزبي والطائفي.
عندما كانت الاحتجاجات في البحرين التي كانت ذات لبوس واحد ولون واحد، علق البرلمان العراقي جلساته لمدة عشرة أيام، وأصدر بيانا تضامنيا مع شعب البحرين، وخرج نوري المالكي في أكثر من تصريح تلفزيوني منددا ومستنكرا ما يجري للشعب البحريني، بل إنه وصف دخول قوات درع الجزيرة إلى المنامة بأنه احتلال سعودي، في حين راح أحمد الجلبي يرعد ويزبد متوعدا حكومة البحرين بالويل والثبور إذا استمرت في قمع المحتجين.
وللعلم فقط، في البحرين وطيلة شهر كامل من الاحتجاجات قتل هناك نحو 30 شخصا، باعتراف المعارضة، من بينهم نحو 12 رجل أمن قتلوا على يد المتظاهرين laquo;السلميينraquo;، بينما شهدت سوريا مقتل نحو 600 شخص في قرابة الشهر من الاحتجاجات، وشاهد العالم كيف دخلت القوات المسلحة السورية إلى مدينة درعا وحاصرتها وقطعت الماء والكهرباء ومنعت دخول المواد الغذائية وحتى حليب الأطفال، ناهيك عن عمليات القنص المتواصلة لكل شيء يتحرك وسط تعتيم إعلامي لم يسبق له مثيل.
لم تتحرك حكومة بغداد وبرلمانها المبجل لتناصر الشعب السوري ولو ببيان يدعو نظام الأسد إلى الاستجابة لمطالب الشعب، بل راحت تتصرف بذات المعايير التي تتصرف بها حكومة طهران، وهذا ليس مستغربا، فهناك المرجع وفي بغداد الأتباع. للأسف، ونقول للأسف لأننا لم نكن نتمنى أن تتصرف بعض الأنظمة سواء العربية وغير العربية، بازدواجية المعايير مع ثورات الشعوب العربية، فمرة يكون الشعب مظلوما ومرة يكون ظالما، مرة يكون الاحتجاج حقا ومرة يكون باطلا.
للأسف مرة أخرى، إن هناك فرزا طائفيا تقوده طهران وأتباعها في المنطقة، ترى في احتجاجات البحرين رغم عدم سلميتها وتبعيتها وانكشافها، حقاً ونصرتها واجبة، وترى في ثورة الشعب السوري السلمية التي لم ترفع سلاحا أو شعارا سوى حق الحرية، كفراً وردّةً واعتداءً على النظام المقاوم.
من تابع تلفزيون العالم الإيراني وقناة المنار التابعة لحزب الله إبان الاحتجاجات في البحرين وفي هذه الأيام، يدرك جيداً أن هناك أيادي غير نظيفة تسعى للتأثير في الرأي العام خدمةً لمشروع طائفي بعيد كل البعد عن إرادة الشعوب وأهدافها في التحرر من ربقة الاستعمار الداخلي، وبعيد كل البعد عن زيف الشعارات في المقاومة وتحرير فلسطين.