بعد أن ساند الظلم والقتل في ليبيا ووقف ضد أي تدخل انساني دولي ينقذ المدنيين الليبيين من آلة قتل معمر القذافي، وكل ذلك من أجل بضع مليارات دولارات حجم الاستثمار التركي في جماهيرية العقيد، هاهو مستشار الديكتاتوريين رجب طيب أردوغان يتدخل في الشأن السوري، مستميتا من اجل إبقاء النظام الحالي على صدور السوريين، رغم سفكه لكل هذه الدماء واصراره على سفك المزيد منها. أردوغان، ينطلق من موقفه هذا، من خوفه العصابي من نيل الشعب الكردي في سوريا (القومية الثانية في البلاد) لحقوقه القومية بعيد أي تغيير يحدث في دمشق. هو يعرف بأن الكرد منظمون بشكل جيد وباتوا الآن أكثر قبولاً وسط القطاعات المعارضة لحكم عائلة الأسد، لما أبدوه من حس وطني مشارك لكل السوريين في النضال والتغيير الديمقراطي. لعل أردوغان سمع الشعارات التي أطلقها الكرد في القامشلي وعامودا وكوباني وعفرين، من التي تحي درعا وتفديها بالروح والدم. ولعله شاهد العلم السوري الكبير الذي غطى أحد شوارع القامشلي وشد أطرافه العرب والآشوريين والكرد. وهو أكيد قرأ عبارة (Bijicirc; Azadicirc;) والتي تعني quot;تحيا الحريةquot; مكتوبة باللغة الكردية. هذه العبارة خطهّا المتظاهرون الكرد على صدر احدى اللافتات، وأبرزتها الفضائيات والصحف التركية، في محاولة خبيثة وساذجة في نفس الوقت، لإبراز quot;الخطر الكرديquot; واستنهاض همم أردوغان وفريقه من الاستخبارات والجيش للتحرك بغية تطويق quot;الخطرquot; والاجهاز عليه في مهده!.

كذلك يرغب أردوغان، من خلال تدخلاته ونصائحه الكريهة، في رؤية سوريا مصرفا للبضائع التركية، وحديقة خلفية لأنقرة، تخترق من خلالها كل العالم العربي. أن تبقى سوريا سوقاً كبيرة للصناعة التركية، راضية مرضية بحصتها من مياه دجلة والفرات، رغم ان حجب أنقرة للمياه أسفر عن تصحر محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، ودمر حياة ملايين المزارعين وتجار الماشية السوريين، وقطع رزقهم وصّدرهم كعمال أجراء على مشارف دمشق وحلب وحمص، يسكنون بيوت الصفيح هم وأبنائهم الذين ترك جلهم التعليم نتيجة الهجرة الداخلية والاضطرار للبحث عن لقمة العيش. هذا ناهيك عن محاولة استحصال صك بيع نهائي للواء الأسكندرون السوري، الذي الحقه الاستعمار الفرنسي بتركيا، عنوّة وبالضد من رغبة الشعب السوري. أما بعض كلام أردوغان عن quot;ضرورة انهاء الاسد للقمعquot; وquot;عدم جائزية ارتكاب مجزرة اخرى كمجزرة حماةquot;، فهو للاستهلاك المحلي، ورغبة في التلويح بquot;سيف المعارضةquot; وquot;حقوق الشعب السوريquot; على رأس النظام الحالي من اجل الابتزاز ودفع الاسد الى الاستسلام التام للهيمنة التركية وفتح كل الابواب السورية للتغلغل التركي في طول وعرض مساحة الوطن السوري.

ليفهم أردوغان بان الانتفاضة السورية الحاضرة ستخلق واقعاً جديداً ستقيّم حتما علاقة الهيمنّة التي تربطه بنظام الأسد، وتعيد النظر في الكثير من أوجه هذه العلاقة لصالح الوطن والشعب السوريين. لن يستطيع أردوغان التأثير في دوام سياسة قمع الكرد وهضم حقوقهم خوفاً الا يؤثر ذلك في معالجة حزبه الاستعمارية الانكارية للقضية الكردية ورفضه منح الشعب الكردي في اقليم كردستان الشمالية حقوقه والاعتراف بوجوده وكينونته. ولعل اردوغان يهدف لزرع نفس تجربته العراقية في سوريا أيضا. خلق المشاكل بين الطوائف والأعراق وتخويفها من بعضها البعض عبر شراء الذمم وعقد المؤتمرات واخفاء نواياه الطورانية القومجية الناكرة لحقوق الغير، خلف عباءة quot;العثمانية الاسلامية الجديدةquot;. وأردوغان يعرف أكثر من غيره بأن الكرد هم اقوى الاطراف المعارضة في سوريا، ولديهم عمق استراتيجي كبير وامكانيات لاحصر لها تمكنّهم من التحرك بشكل أفضل من بقية القوى السورية المعارضة، لذلك فهو يتحرك استباقيا ويرسل مبعوثي الاستخبارات والجندرمة من اجل وأد أي تغيير حقيقي قد يظهر في الموقف الرسمي حيال المكون الكردي في البلاد.

أما تلويح أردوغان وبعضاً من فريقه بquot;فزاعة تمزيق سوريا إلى دولquot;، كما كان الحال أيام الفرنسيين، وتركيز هؤلاء على quot;دولة العلويينquot; بشكل خاص ( وهو تركيز غير بريء يغازل من خلاله اصوات الناخبين السنّة في الانتخابات القادمة بعد أقل من شهرين) فهو كلام في الهواء ولن لاأساس له ولاتؤيده سوى دوائر حزب العدالة والتنمية والنظام السوري نفسه من خلال قمعه الكبير للشعب وترويجه للخطاب الطائفي في محاولة لنشر الخوف والذعر في نفس أبناء احدى الطوائف السورية الوطنية التي لايستقيم الوطن السوري بدون نسائها ورجالها.

نصيحة لأردوغان: أترك، أنت وحزب العدالة والتنمية ومجلس الأمن القومي التركي، سوريا وشأنها. هناك عقد جديد عنوانه الوطنية والكل يقبل به ولن ينفك عنه. انها سوريا جديدة لن يبيع أي من مكوناتها مكوناً آخراً من أجل دوام مصالحك وأطماعك. انها سوريا جديدة لا ولن تفهمها.

[email protected]