سمير عطا الله


كان بين عام وآخر يرسل باخرة إلى ميناء إيطالي عليها ليبيون من أعمار معينة يطالبون بتعويضات عن سنوات الاستعمار. وكان المشهد سيئ الإخراج ومسيئا إلى بعض الوقورين. لم يحدث في التاريخ أن دفعت دولة استعمارية تعويضا نتيجة لوصول باخرة. تدفع التعويضات من خلال مفاوضات جدية قانونية وليس بتأثير مسرحية مملة وضعتها لجنة ثورية.

لقد أطلق الإيطاليون على ليبيا وحوشا في ثياب جنرالات. وصحيح أن عمر المختار هو الرمز ولكن الأصح أن كل ليبي كان في صلابة عمر المختار، سواء نال الشهادة أو بقي على حافتها.

حولت اللجان الثورية صورة عمر المختار وتراث الاستقلال إلى مجرد laquo;مدونةraquo; دعائية للأخ قائد الثورة. وأتخيل أن الليبيين لا يفكرون الا في أجدادهم وفي عمر المختار وهم يشاهدون كل يوم مدينة مصراتة تذوب وتسود جدرانها وتتهدم بيوتها وتفيض مستشفياتها ويرتجف أطفالها وتهرب مواشيها مذعورة، فيما الأخ قائد الثورة، وحامل إرث عمر المختار، يدكها بالمدافع ويحتال على أهلها بانسحاب صوري، ويمنع عنها النوم والأكل والدواء.

أتخيل أهل مصراتة يتساءلون تحت القنابل وخلف الحرائق: هل كانت نيران الطاغية الجنرال غرازياني في حقد هذه النار؟ هل جاع أهلها أيام غرازياني كما يجوعون الآن؟ هل ارتجف أطفالها في زمن الإيطاليين، كما يرتعدون الآن؟ كيف ستبدو مصراتة غدا لأهل ليبيا وللعالم أجمع؟ ماذا كان سيحدث لبنغازي لو ترك له مطاردة المهلوسين والمندسين والجرذان؟

ألا يقول له أبناؤه، على العشاء، إن كل الحكم والمجد والنهر العظيم وأناقة سيف الإسلام في الجنازات ومال السنوات الأربعين الماضية، لا يساوي لحظة من دخول التاريخ من بوابة مصراتة وصراخ أطفالها ولعنات أمهاتها؟

تذكرني مصراتة ببرلين كما دكها السوفيات. بمدينة درسدن كما دكها البريطانيون. ببيروت كما دكها الزعران، بأموال كثيرة، خصوصا أموال الأخ قائد الثورات في العالم.

يستحي الزلزال الأعمى أن يقول بمدينة ما يفعله أشبال الأخ قائد الثورة بهذه المدينة التي صفقت له ذات يوم وأقامت على مدخلها نصبا (غالبا سيئ التصميم) لـlaquo;الكتاب الأخضرraquo; العظيم. المسألة ليست كيف ستنظر إليه مصراتة، المسألة كيف سينظر - إذا رأى - إلى مصراتة؟