محمد سلماوي

مع كل يوم يمر نكتشف أبعادا جديدة لثورةrlm;52rlm; يناير التي خرجت تطالب بتغيير النظام فإذا بها تغير أشياء كثيرة ليس في مصر وحدهاrlm;,rlm; وإنما في المنطقة العربية كلهاrlm;,rlm; بل وفي العالم أيضاrlm;,

فقد وجدنا الثورات تندلع في بقية الدول العربية مستخدمة نفس أساليب ثورة مصر ووجدنا قادة العالم يؤكدون التغيير الذي أحدثته ثورة52 يناير.
ولقد سبقت ثورة ميدان التحرير في مصر الثورة التي أطلقها محمد البوعزيزي في تونس, لكن مثلما قال لي السفير الفرنسي السابق جيل جوتييه الذي جاء إلي القاهرة في الأسبوع الماضي يزور ميدان التحرير: لقد سبقت ثورة تونس الثورة المصرية, لكن الثورة في تونس كانت تونسية, بينما ثورة مصر كانت عربية.
فما أن انطلقت الثورة المصرية حتي وجدنا الشعوب الشقيقة منتفضة في كل من ليبيا وسوريا واليمن والبحرين وغيرها, وما يسترعي الانتباه أن الثورات العربية خرجت كلها تطالب بنفس ما طالبت به ثورة مصر من حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية, وكما رفعت ثورة مصر الشعار الذي أجمع عليه الشعب بضرورة إسقاط النظام, رفعت ثورات الشعوب العربية نفس الشعار, كما التزمت أيضا بنفس الأسلوب السلمي الذي اختارته ثورة مصر وثورة تونس من قبلها فخرجت الجماهير الثائرة في مختلف الدول العربية تردد في صوت واحد: سلمية.. سلمية!
صحيح أن دماء كثيرة قد سالت وبنسب مختلفة في تلك الدول, لكن الجماهير لم تكن هي البادئة بالهجوم والكثير منها لم يكن حتي يملك السلاح.
ولقد امتد تأثير ثورة52 يناير من مصر إلي فلسطين, وكما أسقطت ثورة مصر النظام السابق بكل ما يمثله من فساد وقهر ومحسوبية أسقطت فلسطين الانقسام والاقتتال والتجزئة, وهكذا أمكن أخيرا توقيع ذلك الاتفاق الذي تم في القاهرة بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية, والذي تعثر توقيعه سنوات طوالا حتي فقد العالم كله الأمل في إتمامه.
ولقد سألت الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أثناء زيارته لـ الأهرام في الأسبوع الماضي سؤالا مباشرا في هذا الموضوع: ما الذي جعل هذا الاتفاق ممكنا الآن بعد سنوات من الرفض؟ فقال بلا تردد: هي حركة الجماهير العربية التي أطلقتها ثورة52 يناير في مصر, وشرح أبومازن أن القيادات الفلسطينية التي كانت رافضة للاتفاق أدركت أن الواقع العربي بعد الثورة قد تغير وأن الجماهير العربية لم تعد تقبل الحال العربي المتردي كأمر مسلم به لا يمكن تغييره.
ثم قال الرئيس الفلسطيني: إن جميع القيادات السياسية العربية, وليس الفلسطينية وحدها أصبحت تعي الان أنها ما لم تستجب لمطالب الجماهير وتقوم بتغيير الواقع العربي المرفوض جماهيريا فإنها هي نفسها ستتغير.
ولقد زارني في مكتبي هذا الأسبوع جيرارد بيكر رئيس التحرير المناوب بجريدة وول ستريت جورنال, وهي كبري الصحف الاقتصادية والمالية في أمريكا وتأثيرها يمتد إلي خارج الولايات المتحدة, وخلال ما يقرب من الساعة تحدثنا عن الثورة المصرية وتأثيراتها الخارجية, وحين وصل بنا الحديث إلي مقتل بن لادن قلت للصحفي الأمريكي المخضرم: بصرف النظر عن موافقتنا أو رفضنا لما كان ينتهجه بن لادن من سياسة, فإنه كان بلاشك يمثل رد فعل لوضع كان قائما قبل52 يناير, وكانت الشعوب العربية والإسلامية ترفض ذلك الوضع ولا تعرف كيف تغيره, وقد تمثل هذا الوضع داخليا في أنظمة عربية مستبدة تعتمد علي سياسة القهر ويتسم الكثير منها بالفساد وتمثل خارجيا في قوي عظمي منحازة لعدو محتل, وكانت تدعم هي والعدو تلك الأنظمة العربية بالسلاح والمال والتأييد السياسي, وإزاء هذا الوضع كان أمام الجماهير العربية إما اليأس من إمكان التغيير, أو البحث عن أكثر السبل حدة وعنفا لمحاربته بعد أن أحكم سيطرته علي مقدرات الوطن العربي لسنوات طالت بأكثر مما ينبغي, من هنا كانت دعوة بن لادن إلي العنف تلقي قبولا لأنها كانت تمثل الطريق الوحيد لمقاومة ذلك الوضع الذي يدعو إلي اليأس والقنوط فكانت بمثابة البديل عن ذلك اليأس.
لكن الذي حدث يوم52 يناير هو أن الجماهير العربية اكتشفت سلاحا آخر غير قنابل بن لادن ومتفجراته, تغير به واقعها المرير فأسقطت النظام الفاسد المستبد وأسقطت أيضا التأييد الدولي له, أما سلاحها فكان تلك الدعوي التي انطلقت أقوي من القنابل والمتفجرات تنادي بحق الشعوب في الحرية والكرامة الإنسانية رافعة ـ بدلا من السيف أو البندقية ـ شعار سلمية.. سلمية.
وهكذا تغير الوضع بعد ثورة52 يناير التي انطلقت فاتحة ذراعيها لكل فئات الشعب للانضمام لها بدلا من خلايا العمل السري الذي اعتمدت عليه القاعدة, وجمعت بين المسلم والمسيحي بدلا من تقسيم القاعدة للبشر إلي مؤمنين وكفار, كما كان ضحاياها أقل بكثير من عدد الأرواح التي أزهقتها القاعدة في تفجيراتها علي مدي السنين.
ثم قلت لمحدثي: إن بن لادن لم يمت يوم قتلته القوات الأمريكية بتلك الطريقة غير الآدمية والمنافية للأعراف والقوانين الدولية, وإنما مات يوم52 يناير الماضي حين سقطت سياسته القديمة واختارت الجماهير العربية سياسة أخري بديلة أثبتت أنها قادرة علي تحقيق ما لم يحققه بن لادن طوال عقد كامل من الزمان.