عبدالعزيز بن عثمان بن صقر

القمة التشاورية الخليجية.. تغير التحديات .. تحديث الإستراتيجيات

يأتي انعقاد القمة التشاورية نصف السنوية لقادة دول مجلس التعاون الخليجي في دورتها الثالثة عشرة الجارية بمدينة الرياض، في وقت بالغ الحساسية ليس لدول المجلس فقط، بل للعالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة لما تشهده المنطقة من أحداث وتحولات غير مسبوقة غاية في الأهمية لن تمر تداعياتها مرور الكرام، بل ستؤثر على مستقبل المنطقة لسنوات عديدة، حيث حملت الشهور الأربعة الأخيرة ما لم يكن في الحسبان للكثيرين، كما أن توابع ما حدث تدعو قادة دول مجلس التعاون إلى ترتيب الأوليات لمواجهة التحديات الداخلية والإقليمية، وهذه الأولويات تنطلق بداية من داخل كل دولة خليجية في الأساس لتهيئة الدول الست للتعامل والتعاون المستقبلي انطلاقاً من أرضية صلبة، ومن أجل البحث عن آليات مثلى لتأمين المنطقة وتحصينها ضد مخاطر الأجندات الإقليمية والدولية، بما تحمله من بذور للفتن الطائفية، وفرض الهيمنة، واستنزاف الموارد .

كما أن القمة تأتي بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على إنشاء مجلس التعاون الخليجي، ومع تسلم الأمين العام الجديد للمجلس السيد عبد اللطيف الزياني مهامه على رأس الأمانة العامة، حيث من الضروري إعادة النظر في هيكلة الأمانة العامة بما يتناسب مع التطورات التي اختلفت كثيراً عما كانت عليه عند تأسيس المجلس، وهذا ما يتطلب استحداث إدارات جديدة أو إدماج أخرى في جهاز الأمانة مع ضرورة تدريب وتأهيل موظفي الأمانة لتطوير الأداء بما ينسجم مع المعطيات والتحديات الجديدة. لعل أهم تحديات المرحلة الراهنة تتلخص في استكمال مسيرة الإصلاح التي بدأتها الدول الست على المستويات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والمضي في محاصرة الفقر، البطالة، الفساد، وحل مشاكل الإسكان، التوظيف، وتحسين التعليم والخدمات الصحية وغيرها من الاحتياجات التي تمس واقع المجتمعات الخليجية التي تتميز بكونها مجتمعات شابة في مجملها من حيث التركيبة السكانية، وعلى المستوى الإقليمي ظهرت تحديات تمس الأمن الوطني لهذه الدول بصورة مباشرة ومنها الأحداث التي شهدتها مملكة البحرين وتداعيات هذه الأحداث على دولة عضو في مجلس التعاون ودخول طرف خارجي على هذه الأحداث وهو إيران، والتحدي الآخر هو الأحداث التي تشهدها اليمن هذه الدولة الشقيقة والجارة الملاصقة لدول المجلس، وهذا ما ينسحب على ما شهدته الساحة العربية من أحداث في تونس، مصر، ليبيا، وسوريا وكل هذه الأحداث لا يمكن فصلها عن محيطها العربي والخليجي.

أحداث مملكة البحرين كشفت عن أبعاد طائفية وتدخلات إقليمية خطيرة بصورة واضحة وعلنية، فرغم حقيقة أن جميع سكان البحرين هم من مواطني مملكة البحرين ولدى بعضهم مطالب كما هو الحال في أي دولة أخرى في العالم، ويجب أن تتعامل حكومتهم مع هذه المطالب وفقاً لإمكانياتها وانطلاقاً من خططها، وألا تتجاهل المطالب المشروعة لأي فئة، لكن لا يجب أن تكون هذه المطالب تحت ستار طائفي، وذريعة لتدخل إيران في الشأن البحريني الداخلي، كما لا يجب أن تكون وسيلة لطهران لتنصب نفسها وصياً على مواطنين في دولة مستقلة وذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة وبقية المنظمات الدولية والإقليمية.

أحداث البحرين الأخيرة كشفت أن إيران تسعى للهيمنة على الخليج بغطرسة دون إقامة أي وزن للأعراف والعلاقات الدولية التي تحكم علاقاتها بدول الخليج العربية مع التعالي على الرأي العام الدولي والإقليمي، وتجلى ذلك في التصريحات المستفزة التي أطلقها مؤخراً رئيس الأركان الإيراني حسن فيروزبادي بشأن هوية الخليج العربي، كما أن طهران تجاوزت دورها كجارة وسمحت لنفسها التدخل المباشر في الشأن الخليجي حين هاجمت وصول وحدات قوات درع الجزيرة إلى البحرين الدولة العضو في مجلس التعاون الخليجي، والمشاركة في تأسيس هذه القوات.

هذه الأحداث تتطلب من قادة دول المجلس في قمتهم التشاورية تفعيل مقررات القمة الخليجية في دورتها الثلاثين التي عقدت بالكويت في شهر ديسمبر 2009 م، والتي أقرت تشكيل قوة مشتركة للتدخل السريع لمواجهة الأخطار الأمنية، والتعجيل بوجود هذه القوة للحفاظ على أمن واستقرار دول المنطقة، ومن الضروري أيضاً أن تعيد دول الخليج النظر في عديد وعتاد قوة درع الجزيرة بما يتناسب مع مساحة هذه الدول ومدى الحاجة لتأمين مصالحها الحيوية، انطلاقاً من سياسة الردع والتوازن الإستراتيجي لتأمين منطقة الخليج وجعلها بعيداً عن الاستقطاب أو الابتزاز أو الارتهان لرغبات المغامرين.

على صعيد الأزمة اليمنية، أحسنت دول المجلس في طرح المبادرة الخليجية لإنهاء حالة الاحتشاد والانقسام الذي تشهده المدن اليمنية، وإن كانت هذه المبادرة جاءت متأخرة وجرى تعديلها ثلاث مرات إلا أنها حملت في النهاية صيغة مقبولة لإنهاء الأزمة في اليمن، ومع ذلك مازالت الأزمة تراوح بين مراوغة الأطراف المتصارعة هناك، وهذا من شأنه أن يجعل القمة التشاورية تبحث عن آلية لإقناع هذه الأطراف بتطبيق المبادرة أو فرضها بالتنسيق مع جهات دولية أو في إطار جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، فيما يظل عنصرا الاستقرار والتنمية أهم التحديات التي تواجه اليمن وسوف تنعكس آثار ذلك على دول مجلس التعاون، لذا من الضروري أن تضع القمة نصب أعينها كيفية التعاون مع اليمن ومساعدته على التعافي بعد مرحلة حل المعضلة السياسية، على أن يأخذ ذلك في الاعتبار طبيعة المشاكل اليمنية والتي تتركز حول: الحراك الجنوبي، الفقر، البطالة، مطالب الأحزاب، مشكلة الحوثيين.

الوضع في بقية الدول العربية الأخرى التي تعرضت أو تتعرض للتغيير أو لحالة الاحتشاد والاحتقان السياسي لا تقل تأثيراً على دول مجلس التعاون الخليجي عن الأوضاع في اليمن، فما حدث في مصر وتونس وما يحدث في سوريا و ليبيا وغيرهما سوف يؤثر على دول الخليج وعلى العمل العربي المشترك والأمن القومي العربي الذي لا يمكن فصله عن الأمن الخليجي في ظل مرحلة تحمل احتقانات داخلية، وتربص إقليمي، ونوايا دولية غير معلنة مشكوك في توجهاتها وأهدافها.

دول مجلس التعاون هي المعنية مباشرة بعد شعوب الدول التي تتعرض لظاهرة الاحتشاد السياسي نظراً لاعتبارات عديدة سواء كانت اقتصادية، أمنية، سياسية ، واجتماعية، أوغير ذلك، والقمة التشاورية مطالبة في هذه المرحلة التاريخية الهامة بوقفة أمام مستقبل المنطقة والتحرك بفاعلية على الساحة الإقليمية والدولية لإيقاف النزيف العربي وإهدار الإمكانيات العربية ووضع الدول التي تأثرت بهذه الأحداث على الطريق الصحيح، من خلال الدعوة لمؤتمر دولي ترعاه الأمم المتحدة بالتنسيق مع جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لمساعدة الدول التي تأثر اقتصادها سلباً جراء تراجع مداخيلها بسبب توقف أو ضعف الإنتاج أو توقف إنتاج النفط بها، أو تعطل حركة السياحة على أن يتبنى هذا المؤتمر مشروعاً تنموياً لمساعدة هذه الدول على غرار مشروع مارشال، مع ضرورة الإسراع بإعادة الهدوء والأمن إلى هذه الدول وإصلاح مؤسساتها وهياكلها التي تضررت خشية انفراط عقدها الاجتماعي وتحولها إلى ساحات للصراع الدولي والإقليمي وتصفية الحسابات بما يضر بمصلحة شعوبها وأمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة أن مواقف الدول الكبرى تجاه المنطقة العربية غامضة ومترددة بل متناقضة، ويجب على هذه القوى أن يتوقف دورها على مساعدة شعوب الدول التي تأثرت بالأحداث على النهوض واستكمال مسيرتها بعيداً عن التدخل في شئونها أو فرض الوصايا عليها أو التواجد عسكرياً على أراضيها .

وعلى القمة التشاورية أن تضع ملف الجامعة العربية في مقدمة إصلاح العلاقات العربية العربية خاصة مع نهاية ولاية الأمين العام الحالي للجامعة واختيار أمين عام جديد وفي ظل الحديث عن تأجيل أو إلغاء قمة بغداد، بل يجب النظر في طبيعة عمل الجامعة وتعديل ميثاقها بما يتناسب مع الواقع العربي الجديد. وعلى صعيد منطقة الخليج ذاتها، لابد أن يكون ملف الإصلاحات وملف الأمن في مقدمة الملفات المطروحة والبحث في كل البدائل المتاحة أو الممكنة لتأمين هذه المنطقة الحيوية التي تؤثر في الاقتصاديات العالمية بشكل مباشر،هذه أولويات لا يمكن تأجيلها أو التقليل من تأثيرها أو التعويل على قوى كبرى عالمية في المساعدة على حل بعضها، فالتجارب القديمة والحديثة تؤكد أن القوى الكبرى لا يهمها إلا تأمين مصالحها دون مراعاة مصالح الآخرين وأنها مستعدة للانتقال من معسكر إلى معسكر آخر مهما كانت توجهات الأخير مادام يمسك بزمام السلطة ويستطيع تأمين مصالح هذه القوى، والأدلة على ذلك كثيرة ومعروفة، ومن ثم يجب صياغة عقد جديد من التعاون مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي يعتمد على المكاشفة والمصارحة وتحديد أسس الشراكة من جميع جوانبها على أن تراعي مصالح دول المجلس، وأمن منطقة الخليج بكل وضوح حتى لا تفاجأ دول المنطقة بمشاريع وفاق أو تقسيم نفوذ دولي وإقليمي بين القوى الكبرى الدولية وإيران على حساب مصالحها الحيوية وأمنها الوطني، خاصة أن إرهاصات هذا الوفاق لاحت منذ العام 2003م، رغم أن السياسة المعلنة تنفي ذلك.