أصبحت المطالب بإنشاء إتحاد كونفدرالي يجمع دول مجلس التعاون الخليجي مطلبًا رسميًا بعدما ظل طوال السنوات الماضية مطلبًا شعبيًا، ويبدو أن الخطر الإيراني هو ما شجّع على رفع حدة المطالبات حتى إن مجلس النواب البحريني أقرّ أخيرًا مقترحًا بصفة مستعجلة لتنفيذ الاتحاد بالتنسيق مع دول الخليج.


احد الاجتماعات الخليجية

الرياض: دفعت الأحداث الأخيرة التي وقعت في البحرين والتهديدات الإيرانية المستمرة لتلك المملكة الصغيرة ولدول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، الكثيرين إلى إعادة المطالب بإنشاء اتحاد كونفدرالي يجمع دول الخليج لمواجهة تلك التحديات، على أن لا ينحصر هذا الاتحاد في المجال الأمني والعسكري، بل تعدي ذلك إلى المجالات كافة، خصوصًا أن القواسم المشتركة بين دول الخليج أكثر من أن تُحصى.

ظلت دعوات إنشاء كونفدرالية خليجية طوال السنوات الماضية شعبية في الدرجة الأولى، لكن الأحداث الأخيرة في البحرين دفعت جهات رسمية عدة إلى الانضمام للداعين إلى اتنفيذ هذا المطلب، وسط اعتراف من بعض المراقبين بصعوبة تطبيقه لأسباب ومبررات متعددة تتربع التوجهات السياسية لدول الخليج على رأسها.

وتبدو البحرين أكثر دول الخليج تحمسًا لإنشاء الإتحاد الكونفدرالي، إذ أقرّ مجلس النواب البحريني مقترحًا بصفة مستعجلة لتنفيذ الاتحاد بالتنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي، وبرر المجلس إقرار هذا المقترح بالقول quot;إن البحرين تحتل موقعًا إستراتيجيًا، وتتمتع بثروات طبيعية ومركز مالي، مما يجعلها محل مطامع الدول الأخرى، إضافة إلى الأخطار الأمنية التي تتهدد البحرين، وتمسّ كيان دول مجلس التعاونquot;.

وقال مجلس النواب البحريني إن تطبيق الاتحاد الكونفدرالي يتم من خلال احتفاظ كل دولة بسيادتها المطلقة، لكنها تفوّض بموجب اتفاق مسبق بعض الصلاحيات لهيئة أو هيئات مشتركة لتنسيق سياساتها في عدد من المجالات، وذلك من دون أن يشكل هذا التجمع دولة أو كيانًا.

وكانت تقارير صحافية نقلت الأسبوع الماضي أن دول مجلس التعاون تدرس مشروعًا للتحول إلى كونفدرالية خليجية تكفل توحيد السياسات الخارجية والدفاعية والأمنية مع احتفاظ كل دولة منها باستقلالها وسيادتها في مواجهة الأطماع الإيرانية المتزايدة، والتصدي للتهديدات السافرة لأمنها وسيادتها واستقلالها.

ويرى أستاذ السياسة في جامعة الملك سعود في الرياض الدكتور صالح الخثلان أن مجلس التعاون تقدم خطوات متقدمة جداً، وتؤسس للكونفدرالية في الخليج، مثل السوق الخليجية المشتركة، وتوحيد العملة ودرع الجزيرة،لكن الخثلان شكك فىتصريحات لـquot;إيلافquot; في سبب التأخير لتفعيلها، قائلاً إن quot;الإرادة موجودة، ولكن يبدو أن الأجهزة الإدارية عاجزة أو مترددة في التصعيد إلى المستوى التكاملي، رغم الأخطار التي تواجه الخليج، وفي مقدمتها الخطر الإيراني، وهذا مبرر مشروع للتكامل والارتقاء، مثلما كان تأسيس المجلس بسبب التهديد الإيرانيquot;.

وقال الخثلان quot;مع توجهات السياسة الإيرانية الخارجية، لابد من تحرك أفضل على المستوى الجماعي، لأن ذلك أفضل وبكل المقاييس من التحرك الفرديquot;.

وتساءل الخثلان حول إن كانت الرغبة موجودة عند الدول الست؟،وأجاب quot;هذا سؤال المفروض يطرح لأنني لا أظن أن الفكرة تستهوي كل الدول بالقدر نفسه، فقد تكون البحرين على قدر أكبر،لأنها أحست بالخطر، ولكن بعض الدول تحاول الاستقلالية فرديًا في سياستها الخارجية، مثل قطر، التيتكاد تكون مختلفة في الكثير عن باقي دول الخليج، ولكن برأيي إن الحاجة موجودة، ولكن الرغبة تتفاوتquot;.

وأضاف الخثلان لـquot;إيلافquot;: quot;الحاجة ملحّة أكثر من أي وقت مضى، ويعزز ذلك ما حدث في البحرين، وشبكات التجسس في الكويت، ولكن من قراءتي لما يدور بخصوص النخب والقيادات، أظنها لا ترى أن الوقت قد حان، ويكتفون بالآليات الموجودة، وقد يصعدون من مستوى التكامل وفق إطار المجلس، لكن ليس باتجاه الكونفدرالية رسميًاquot;. وأضاف quot;ما يحدث في اليمن يؤكد أيضاً أن دول الخليج بدأت تتحرك جماعياً في الوقت الحالي، بعدما أحست بمعنى الخطر الإقليمي على أمنها، وهذه فرصة يمكن البناء عليهاquot;.

وعن مجلس التعاون الخليجي، وأنه منذ تأسيسه لم يحقق أهدافه الكبرى سوى في ظروف وقتية، وإن كان ذلك يعتبر مؤشراً على أن الكونفدرالية صعبة التحقيق مادام المجلس لم يستطع ذلك، قال الخثلان quot;هناك إنجازات للمجلس بالتأكيد وهي معروفة، ولكن إشكالية التنفيذ قائمة، فهل المشكلة هي في بيروقراطية الأجهزة الإدارية، أو من أن التسويف، أظن الظروف الحالية تدفع إلى إعادة النظر في الكونفدرالية، فمشكلة الخليج لا تقتصر على المشاكل الخارجية فقط، بل إن دول الخليج لديها تحديات عدة، منها التركيبة السكانية والطائفية والأنظمة الحاكمة وشرعيتها وما يتعلق بنظامها السياسي، وكل هذه من المفترض أن تؤخذ في الاعتبار، وأن تقود إلى تحرك عاجل، صحيح بعضها يمكن حله داخليًا ولكن الأفضل هو حله تكامليًا بين دول المجلسquot;.

وأضاف متسائلاً quot;هل وصل أصحاب القرار إلى هذا المستوى من القناعة بالتقدم خطوات إلى الأمام لتحقيق وحدة خليجية حقيقة أم لا؟، ولكن عموماً وقياساً بتجارب إقليمية أخرى، تعتبر تجربة مجلس التعاون ناحجة إذا ما قورنت بالجامعة العربية أو الاتحاد المغاربي أو الاتحاد الإفريقي، رغم تطوره أخيراً، فرغم التطورات والمتغيرات، إلا أن مجلس التعاون بقي متماسكًا وتخطى كثيراً من العقبات، وهو ما يحسب له، رغم أنه أقل من الطموحات ورغم التباينات أحيانا بين أعضائه على مستوى بعض القضاياquot;.

وحول رهان دول الخليج على المستوى الفردي على حلفاء من خارج منظومة المجلس، إن كان هو ما يسبب تأخير الكونفدرالية، والميزة التي لا تتوافر في حلفاء مقربين أكثر، أوضح الخثلان أن ما حدث في البحرين يؤكد أن حلفاء دول الخليج موقفهم مهم وحسابات الحلفاء الاستراتيجية مختلفة، ويبدو لي من الموقف أنهم ما زالوا قريبين، ويقدرون مواقفنا، والبحرين مثال جيد، ولكن بالطبع لا يعني ذلك أنها دائمة، وبالتالي على المستوى البعيد لا بد من نظرة مختلفة.

وحول التباين في مستوى المشاركة الشعبية بين دول الخليج، وإن كان ذلك سبباً في تأخير التكامل الكونفدرالي، فالكويت بمجلس أمة منتخب كاملاً والبحرين نصف منتخب، فيما السعودية تعينه كاملاً، أوضح الخثلان quot;في النهاية تأتي القرارات الاستراتيجية من فوق، وليست من الداخل، وبالتالي دور المجالس لن يكون كبيرًا، ولكنه سيبرز في الاتفاقيات، ولكن الأهم في الموضوع هو الاتحاد لمواجهة الخارج، وهذا لن يكون عائقاً أمام صلاحيات المجالسquot;، وأضاف quot;لو ضربنا مثلاً بدرع الجزيرة، فإن دعمه لن يواجه عوائق تفرضها هذه التباينات، لاحقًا لو تقدمنا خطوات لمواجهة خطر خارجي، فمجلس أمة له صلاحيات عالية أفضل بكثير طبعاً من مجلس شورى لا يملك صلاحياتquot;.

تنضوي دول الخليج تحت لواء إتحاد دول مجلس التعاون الخليجي، الذي تأسس قبل نحو ثلاثين عامًا، وهو يشبه إلى حد بعيد الاتحاد الكونفدرالي، ويوجد العديد من المعاهدات والاتفاقيات بين الدول الست، لكن كثيرًا منها لم يتم تنفيذه، حيث يرى مراقبون أن بعض الخلافات الجانبية بين بعض تلك الدول يحول دون الوصول الى اتحاد حقيقي، رغم بدء إدراك البعض أنه هو الحل الأمثل أمامها في الوقت الحالي.

ويقول في هذا الخصوص المحلل السياسي السعودي الدكتور عبدالله اللحيدان لإيلافإن الكونفدرالية هي خطوة متقدمة على طريق الفيدرالية الاتحادية، ولكنها لا تصل الى مستوى الدولة الاتحادية، مؤكداً quot;فالدول المكونة للاتحاد الكونفدرالي لا تفقد صفتها القانونية الدولية تمامًا، بلما زالت تحتفظ بالكثير من مظاهر السيادةquot;.

ويرى اللحيدان أن عنصر الاختلاف مع المجلس الحالي يكمن في quot;تقوية الجهاز المركزي (الأمانة العامة حالياً) خصوصًا ما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمن (مثلاً تكون اجتماعات وزراء الخارجية أسبوعية وتوفير قوة أمنية ضاربه تحت قائد مركزي تابع للجهاز المركزي للاتحاد الكونفدرالي)quot;.

وأضاف اللحيدان لـquot;إيللافquot; أن quot;الاستمرار في التعاون الاقتصادي الذي وصل مرحلة السوق المشتركة والاتحاد الجمركيحاليًا وكذلك المضي قدمًا في خطط الاتحاد النقدي، وان لم تنضم كل الدول، وان اخذ وقتًا طويلاً، وإعلان الكونفدرالية مهمة حاليًا لتوجيه ضربة قاضية لمخططات إيران في الخليج، وتفعيل دور دول الخليج للاستفادة من التغيرات التي تحدث في الدول العربيةquot;.

ويتكون مجلس التعاون لدول الخليج العربية من ست دول هي: السعودية والإمارات والبحرين وعُمان وقطر والكويت، وقد تم التوقيع على وثيقة إعلان قيام المجلس في قمة وزراء خارجية الدول الست في الرياض في 4 فبراير/شباط 1981.

فيما يتشكل المجلس من أجهزة هي: المجلس الأعلى: ويتكون من زعماء الدول الأعضاء، ورئاسته دورية وتكون حسب الترتيب الهجائي للأعضاء. واجتماعاته العادية سنوية، والمجلس الوزاري: ويتكون من وزراء الخارجية للدول الست، أو من ينوب عنهم من الوزراء. وتكون رئاسته للدولة التي تولت رئاسة الدورة العادية الأخيرة للمجلس الأعلى، واجتماعاته العادية كل ثلاثة أشهر، والأمانة العامة: وهي الجهاز المسؤول عن العمل الإداري، وتتكون من أمين عام، يعينه المجلس الأعلى من مواطني دول مجلس التعاون، لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ويعاون الأمين العام أمناء مساعدون، وهيئة تسوية المنازعات: تتشكل من غير أطراف النزاع، ولا يقل عددها عن ثلاثة.

ترتبط دول مجلس التعاون الخليجي بمعاهدات متعددة، أبرزها عسكري، ممثل في قوات درع الجزيرة، التي برز دورها أخيرًا في البحرين، وكان لها الفضل في عودة الهدوء والاستقرار إلى المملكة الصغيرة، التي تقول إن إيران تحرك جماعات في داخلها بهدف إثارة الفتنة والبلبلة.

كما يوجد إتحاد جمركي بين الدول الست، لكنه يواجه الكثير من العقبات والمشاكل، التي تمنع من سريانه بشكل ملائم، وتنوي دول المجلس استكماله بحلول عام 2015، بحسب ما ذكر مسؤول إماراتي أخيرًا، علمًا أن الاتحاد الجمركي أطلق في 2003 وحظي بإشادة المسؤولين كإنجاز كبير في مواجهة انتقادات بأن الكتلة الخليجية تعجز عن تحقيق تكامل اقتصادي في أكبر منطقة مصدرة للنفط في العالم.

لكن خلافات أخّرت التوصل إلى اتفاق بشأن سبل وضع نظام دائم لتوزيع عائدات الجمارك بين الدول الست الأعضاء في المجلس، وفي شهر مارس/آذار الماضي، قال مسؤول خليجي رفيع إنه ينبغي حل القضايا المتبقية للتوصل الى اتفاق نهائي للاتحاد الجمركي، بما يتفق مع جدول زمني اتفق عليه هذا العام، وجرى توحيد الرسوم الجمركية في 2003 عند خمسة بالمئة، وتتطلب إقامة سوق مشتركة في الخليج.

وقبل عامين، وقعت دول المجلس، باستثناء سلطنة عُمان، على مشروع لإصدار عملة خليجية موحدة، بيد أن خلافات حالت دون التطبيق، قبل أن تنسحب دولة الإمارات احتجاجًا على اختيار الرياض مقرًا للبنك المركزي الخليجي.