إياد الدليمي
يوماً بعد آخر تضيق دائرة الخناق على رقبة النظام السوري، فالشعب الذي خرج سلمياً إلا من أرواح متسلحة بغدها الذي تريد أن تصنعه بيدها، قرر أنه لن يعود، وأن المشوار الذي بدأه لا بد أن يكمله حتى النهاية، وكلما ضاق الحبل على رقبة النظام كلما فتح النقاش حول خياراته، خاصة أن الجميع بات يدرك تماما أن لا رغبة دولية حقيقية في إزالة النظام السوري، فلقد تقاعس المجتمع الدولي عن نصرة الشعب السوري، كما تقاعس من قبلهم العرب في جامعتهم التي هرمت دون أن تجد لحظتها التاريخية كأحمد الحفناوي، أو أحمد هرمنا التونسي.
لقد تناولت العديد من الصحف الغربية والأميركية بالتحليل والنقاش الأسباب التي جعلت المجتمع الدولي يتقاعس عن نصرة الشعب السوري أمام نظام كان يجاهر بالعداء ليل نهار للغرب وأميركا، ويضع نفسه على رأس الدول الممانعة كما يدعي، نظام لم يوقع اتفاقية سلام مع إسرائيل.
ولعل أغلب النتائج التي خرجت بها تلك التحليلات صبت في خانة سلمية هذا النظام تجاه إسرائيل، فهو الذي ترك جبهته هادئة ولم يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل التي تحتل هضبة الجولان السورية.
وإذا كان البعض، خاصة في الإعلام السوري، يتحدث عن دعم هذا النظام لفصائل المقاومة، كحركة حماس وحزب الله في جنوب لبنان، معتبرا ذلك أحد أبرز وجوه مقاومة النظام في دمشق، إلا أن هذه الحجة باتت مرفوضة، خاصة الآن بعد أن رفع النظام السلاح بوجه أبناء شعبه، حيث تكشفت الصورة عن نظام كان يتاجر بالمقاومة من أجل البقاء.
السوريون المصرون على نيل حريتهم، كحال التوانسة والمصريين، يحاصرون مع كل شهيد يسقط منهم برصاص الجيش العربي السوري، نظامَ دمشق، وبالتالي فإن النظام سيجد نفسه في لحظة فارقة أنه أمام خيارات أحلاها علقم، ومن غير المستبعد أن يطرق باب أحدها.
لعل واحدا من هذه السيناريوهات التي يقدم عليها نظام بشار الأسد فتح جبهة محدودة مع إسرائيل، وإعادة فرض قانون الطوارئ بحجة وجود تهديد خارجي، ومحاولة إسكات صوت الشارع بالحرب على جبهة الجولان.
قد يرى البعض أن خيارا كهذا يعد بمثابة انتحار سياسي للنظام، ولكن وبعد أن كشفت وبجلاء، الاحتجاجات في سوريا عن رغبة إسرائيلية أميركية في بقاء نظام بشار الأسد، فإنه من غير المستبعد أن يكون هناك توافق بين الجانبين في الاستفادة من عملية كهذه من أجل إطالة عمر النظام والتصدي للاحتجاجات بطريقة ربما أكثر وحشية مما هي عليه الآن.
ولعل واحدا من السيناريوهات التي ربما يلجأ إليها النظام في المرحلة المقبلة من أجل الخروج من عنق الزجاجة هو عمليات تفجيرية بالسيارات المفخخة تستهدف قوات عسكرية سورية، على شاكلة السيناريو الذي لجأ إليه الأسد الأب في التصدي لحركة الاحتجاجات عام 1982 عندما عمد إلى سلسلة من التفجيرات اتهم فيها جماعة الإخوان المسلمين ليبرر بعد ذلك عملية تدمير حماة ودكها بالقذائف واستباحتها.
النظام مأزوم، وهو وإن كان إعلامه يكابر مستخدما بعض الدمى اللبنانية لصياغة مشهد القضاء على الاحتجاجات الشعبية، إلا أنه يدرك جيدا أن الاحتجاجات لن تتوقف حتى لو لجأ إلى استخدام كل أساليب القمع والوحشية، ما يفتح المجال واسعا على الخيارات التي قد يلجأ إليها الأسد ونظامه.
وإذا كان هناك من موقف لا يقل سلبية عن موقف النظام السوري تجاه شعبه، فإنه يتمثل بالموقف الأخرس الشيطاني للجامعة العربية إزاء جرائم نظام دمشق بحق شعبه، فهذه الجامعة تقف متفرجة على ما يجري حتى دون بيانات الاستنكار التي دأبت على إعلانها في مواقف مشابهة، فهل ترضى الجامعة العربية أن تبقى تابعة في قراراتها لهوى واشنطن؟
إن زمن الثورات غيّر الكثير من المفاهيم وبدل العديد من القناعات، ونتمنى أن يأتي اليوم الذي تتمكن فيه الجامعة العربية من مواكبة حركة الشعوب وتخرج من قالب الجمود الذي وضعت فيه عقودا طويلة، وإلا فإن حركة الشعوب ستتجاوزها، ومن غير المستبعد أن نجد الملايين يتظاهرون أمام مبنى الجامعة في القاهرة مطالبين بخروجها بعد أن أصبحت بضاعة كاسدة.
سوريا تذبح كل يوم ألف مرة ومرة، فلا الياسمين أزهر في ربيعها، ولا عبير السوسن فاح بين أزقة دمشق القديمة كعادته، بل رائحة الشهداء التي كانت أزكى وأعطر، فهل ستصل أنوفَ العرب الذين يقفون متفرجين على مذابح إخوانهم في سوريا؟ نتمنى ذلك.
التعليقات