لندن


يقف الصدر على مفترق طرق ما بين الحفاظ على موقفه الصارم المعادي للغرب والتحول إلى زعيم سياسي وديني نافذ لا يعتمد على ميليشياته القديمة، ولكنه لا يزال يتباهى بلواء 'اليوم الموعود' الذي يحظى بأعلى مستويات التدريب، ويُقال إنه مستعد لاستهداف الأميركيين في أي لحظة.

كلّ سنة، في ذكرى سقوط بغداد في عام 2003، تعجّ شوارع العراق بالناس المطالبين برحيل القوات الأميركية، وفي هذا العام، جاءت أشرس المطالب من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي قال إنه سيعيد إحياء ميليشيات جيش المهدي في حال بقيت القوات الأميركية في العراق بعد المهلة الزمنية المتفق عليها لانسحابها في نهاية هذا العام.

لقد سبق أن قتلت ميليشياته آلاف العراقيين والجنود الغربيين خلال عامي 2006 و2007 اللذين يُعتبران من أكثر الأعوام دموية في حقبة الاحتلال الأميركي، لذا تثير فكرة إعادة إحيائها رعب العراقيين (ولا سيما السُّنة منهم) والغربيين على حد سواء، فمعظم عناصر الميليشيات لا يزالون مسلحين ومتعصبين، ولكنهم يفتقرون إلى التدريب، وبالتالي، تستطيع قوى الأمن العراقية اليوم سحقهم على الأرجح، ومع ذلك، تحوّل مناصرو الصدر، على الرغم من بعض الشوائب العسكرية، إلى أبرز حركة اجتماعية وسياسية ودينية منظمة، وقد استعادوا معظم نفوذهم.

ينتمي الصدر إلى سلالة القادة الدينيين الشيعة الذين حاربوا ضد صدام حسين، وهو يتمتع بشعبية واسعة في أوساط ملايين الشيعة العراقيين الفقراء، وتحديداً في الأحياء الفقيرة في شرق بغداد، ومنذ أن قرر التركيز على الحياة السياسية، في عام 2009، تزامناً مع تلاشي حدّة العنف، بدا حزب الأحرار الذي يتبع له متمرساً في الفنون السياسية، وبعد أن أرسل رئيس الوزراء نوري المالكي قوات عراقية منظمة لسحق جيش المهدي في مدينة البصرة الجنوبية، عام 2008، لجأ الصدر إلى إيران، لكنه حافظ على نفوذه عن بُعد، وما كان للمالكي أن يحتفظ بمنصبه كرئيس وزراء، بعد الانتخابات غير الحاسمة في السنة الماضية، لولا دعم الصدر، وحين استاء الصدر من المالكي، تعاون مع السياسي العراقي العلماني البارز، إياد علاوي، الذي يحظى بدعم عدد كبير من السُّنة، من أجل انتقاد الحكومة.

في مطلق الأحوال، أكثر ما يهمّ الصدر هو المسائل الاجتماعية والدينية، فقد ظهرت حديثاً حركة جديدة اسمها 'المناصرون' في بغداد والبصرة، وهي تدّعي منذ الآن أنها تحظى بتأييد آلاف الناس، حتى أن بعضهم ليسوا من الشيعة وبعضهم الآخر ليسوا من المسلمين، بحسب قولها، إذ تخطط هذه الحركة لفتح مكاتب لها في أنحاء البلد، مع التركيز على التعليم الديني والأعمال الخيرية.

وقد حث الصدر جميع السياسيين التابعين له على قضاء يوم كامل في التجول في الشوارع للتواصل مع الفقراء، وتُعتبر الأعمال الخيرية التي يقوم بها أنصاره واسعة النطاق، وهي تحظى بتغطية إعلامية مهمة، وكذلك، تحبّ هذه الجماعة إجراء استطلاعات الرأي، فبعض النتائج غير مفاجئة: على aسبيل المثال، يريد العراقيون تحسين الخدمات العامة، كما أن استطلاعات الرأي هذه تساهم- باعتبارها شكلاً من أشكال العلاقات العامة- في منح الحركة طابعاً ديمقراطياً وفاعلاً.

كذلك، سعى الصدر إلى إبعاد نفسه عن أعمال العنف التي يُعرف بها جيش المهدي، إذ يخضع عناصر الميليشيا السابقون لبرنامج من الدراسات الدينية، وهم يستعدّون للتحول إلى قادة حقيقيين مستقبلاً. في الشهر الماضي، أعلن الصدر: 'لقد رفضتُ الأفعال الوحشية والطائفية التي ارتكبها المسلحون، وهم لا يرتبطون بالمقاومة في جميع الأحوال'. لكن يبدو أن هذا الموقف يتعارض مع تهديداته بإعادة إحياء تلك الميليشيات، فهو يقف على مفترق طرق ما بين الحفاظ على موقفه الصارم المعادي للغرب والتحول إلى زعيم سياسي وديني نافذ لا يعتمد على ميليشياته القديمة، ولكنه لا يزال يتباهى بلواء 'اليوم الموعود' الذي يحظى بأعلى مستويات التدريب، ويُقال إنه مستعد لاستهداف الأميركيين في أي لحظة.

لا يزال الأميركيون من جهتهم قلقين من التقارب المتنامي بين الصدر وإيران، إذ كان جيش المهدي يحرص دوماً على تأكيد انتمائه الوطني تجنباً لاعتباره دمية في يد إيران، لكن خلال الوقت الذي أمضاه الصدر في إيران، حينما كان يدرس في مدينة قُم المقدسة، جدد صداقته مع الملالي، وربما لعب هؤلاء دور الوساطة في السنة الماضية لعقد الاتفاق الذي ساهم في بقاء المالكي في السلطة.

كذلك، أعلن الصدر، تماماً مثل السلطات الإيرانية، دعمه للمعارضة الشيعية في البحرين، لكن في المقابل، قال أنصار الصدر في بغداد إنهم يدعمون الحركة الخضراء التي تمردت في وجه النظام الإيراني في عام 2009.

أُطلق سابقاً على الصدر اسم 'آية الله أتاري'، وهو لقب يشير إلى حبّه للألعاب على الكمبيوتر، وكذلك، لطالما اعتُبر الصدر أحد 'البلطجية'، مع أنه كان يخوض لعبة العنف في السياسة العراقية بكل ذكاءن لكنه لم يكشف بعد عن أهدافه وتحالفاته الجديدة.

بعد عامين في المنفى، ظهر الصدر في مناسبتين مهمتين فقط في العراق لمخاطبة أتباعه، إذ قال أحد المتحدثين باسمه إنه كان يختبر ما إذا كان المالكي أو الأميركيون سيعتقلونه، لكن الصدر أمضى في الآونة الأخيرة وقتاً أطول في العراق، وتحديداً في مدينة النجف الشيعية المقدسة، ومع تقلص أعداد الأميركيين في العراق، قد يتسنى لأنصاره أن يروه في مناسبات أكثر.