دافيد كيركباتريك

بدأت مصر في انتهاج مسار جديد لعلاقاتها الخارجية في خطوة تشي بتغيير النظام السائد حالياً في الشرق الأوسط، حيث تخطط لفتح المعبر البري مع قطاع غزة وتطبيع علاقاتها مع اثنين من ألد أعداء الغرب وإسرائيل الإسلاميين، حركة حماس وإيران.
ويقول المسؤولون المصريون المتشجعون بالثورة الأخيرة وعيونهم على الانتخابات المقبلة، إنهم سينتهجون سياسات تعكس بشفافية نظرة الرأي العام المصري. وفي هذا الإطار، يسعون إلى استعادة النفوذ المصري في المنطقة بعد أن بدأ بالأفول نتيجة تحول مصر إلى حليف موثوق لواشنطن والإسرائيليين خلال السنوات التي أعقبت توقيع اتفاقية السلام في العام 1979 مع إسرائيل.
والظاهرة الأكثر بروزاً في هذا المسار الجديد هو الاتفاق الذي تمكنت مصر من التوصل إليه الأربعاء الماضي بين حركة فتح الفلسطينية العلمانية ومنافستها حركة حماس. وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية المصرية quot;نحن في صدد فتح صفحة جديدة. مصر تستعيد الدور الذي تنازلت عنه في السابقquot;.
ومن المرجح أن يؤدي التحوّل في سياسات مصر إلى تغيير في ميزان القوى في المنطقة، والسماح لإيران بالتواصل مع واحدة من ألد أعدائها السابقين وإيجاد مسافة بينها وبين إسرائيل التي كانت تراقب المتغيرات ببعض القلق. وقال أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين quot;نشعر بقلق حيال بعض التصرفات المصريةquot; مشيراً إلى quot;تقارب بين إيران ومصرquot; إلى جانب quot;تطوير للعلاقة بين مصر وحماسquot;.
واضاف المسؤول الإسرائيلي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأن الموضوع لا يزال يخضع لنقاش ضمن القنوات الديبلوماسية quot;يمكن لهذه التطورات أن ترتب نتائج إستراتيجية على أمن إسرائيلquot;.
وقال quot;في الماضي، كان بإمكان حماس أن تتسلّح حتى عندما كانت مصر تبذل جهوداً لمنعها من ذلك. إلى أي مدى بإمكانهم المضي في تسليح آلتهم الإرهابية في غزة بعد أن توقف مصر جهودها؟quot;.
وكانت إسرائيل اعتمدت على مصر لمراقبة حدودها مع غزة حيث كان يتم تهريب الأسلحة وغيرها إلى حماس من خلال الأنفاق.
وشددت الناطقة باسم الخارجية أنه مع موازنة استقلالها الجديد بمواجهة التزاماتها القديمة، تحافظ مصر على جميع التزاماتها بما فيها اتفاقية السلام مع إسرائيل، مضيفة أنها تأمل أن تتمكن مصر من تحسين صورتها من خلال بعض بروتوكولات المحافظة على حقوق الإنسان التي وقعتها.
غير أنها أوضحت أن الحصار المفروض على الحدود مع غزة والتعزيزات السابقة التي فرضتها مصر على هذه الحدود quot;مشينةquot; وأن مصر تنوي قريباً فتح الحدود quot;بالكاملquot;.
وأشارت إلى أنه في الوقت نفسه، تسعى مصر إلى تطبيع علاقاتها مع إيران، القوة الإقليمية التي تعتبرها الولايات المتحدة quot;دولة مارقة خطيرةquot;.
وقالت quot;جميع دول العالم تقيم علاقات ديبلوماسية مع إيران باستثناء الولايات المتحدة وإسرائيل. نتطلع إلى إيران كدولة جارة في المنطقة يجب أن تكون لنا علاقات طبيعية معها. لا نتطلع إليها كعدو كما كان يتعامل معها النظام السابق، لكننا لا ننظر إليها كدولة صديقةquot;.
ويعتقد العديد من الديبلوماسيين السابقين والمحللين أنه من خلال انتهاج مسار أكثر استقلالية، فإن مصر قادرة على استرجاع نوع من القوة التي نتجت عن القدرة المرنة في منح أو حجب الدعم.
ويقول نبيل فهمي عميد كلية الشؤون العامة في الجامعة الأميركية في القاهرة والسفير السابق لدى الولايات المتحدة إنه إذا كانت مصر تعتبر أن رفض إسرائيل وقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية كان عائقاً امام السلام quot;فإن التعاون مع الإسرائيليين من خلال إغلاق الحدود مع غزة ليس منطقياً على الرغم من الخلاف حول ما قامت به حماسquot;.
ويشعر العديد من المحللين والمصريين بمن فيهم مسؤولون وديبلوماسيون سابقون خدموا في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، بالحماسة لهذا التغيير. وقال عماد جاد الخبير في الشؤون الخارجية والعلاقات مع إسرائيل في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية quot;هذا هو الشعور الجديد في مصر، بأنه يجب أن تحترم كقوة إقليميةquot;.
وأضاف إن مصر تعترف بحماس للسبب نفسه الذي تناول فيه رئيس الوزراء المصري الجديد طعام الفطور مع عائلته في مطعم عام من دون وجود حراس شخصيين مدججين بالسلاح: أي مسؤول يرغب بالبقاء في الحكومة يفكّر بالانتخابات quot;هذا هو الشيء الجديد في التاريخ المصريquot;.
أما محمود شكري السفير المصري السابق لدى سوريا في عهد مبارك فقال quot;كان مبارك على الدوام منحازاً إلى الولايات المتحدة، لكن الطريقة الجديدة في التفكير مختلفة تماماً. نرغب في أن تكون نموذجاً للديموقراطية في المنطقة، ونحاول أن نضمن لمصر نفوذها الخاصquot;.
واستندت الاتفاقية بين الفصائل الفلسطينية على القوى التي تشكّلت في المنطقة عقب الثورة المصرية. ونتيجة لذلك، وجدت حركة حماس أن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، الراعي الرئيسي لها، تعاني نتيجة التظاهرات الشعبية التي تسود سوريا، في حين أن حكومة منظمة فتح في الضفة الغربية، واجهت حشود الشبان الفلسطينيين الذين راحوا يرددون الهتافات التي أطلقها المصريون في ثورتهم دعماً للوحدة الفلسطينية.
كانت مصر قد طرحت مشروع اتفاق مطابقاً لما تم التوصل إليه اليوم منذ مطلع العام 2009 وفقاً لما نقله مشاركون في المفاوضات من جميع الفصائل. غير أن نقطة التحول الرئيسية حصلت في أواخر شهر آذار الماضي بعد ستة أسابيع على انطلاق الثورة المصرية.
وللمرة الأولى منذ سنوات على الحوار الفلسطيني، دعي قادة حركة حماس إلى مقر وزارة الخارجية المصرية عوضاً عن مجرد الاجتماع إليهم في فندق أو مقر المخابرات العامة في إشارة إلى استعداد مصر اليوم للتعامل مع حماس كشريك ديبلوماسي عوضاً عن النظر إليها كمصدر تهديد أمني.
كما اجتمع قادة حماس إلى رئيس السلطة الانتقالية المشير محمد طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية ووزير الدفاع في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.
وقال طاهر النونو عضو حركة حماس quot;عندما دعيت إلى الاجتماع في وزارة الخارجية المصرية، كان ذلك شيئاً مختلفاً ومنه توصلنا إلى الاتفاقquot;.
وأضاف quot;شعرنا بالتأكيد أن هناك المزيد من الانفتاح علينا من قبل القيادة المصرية الجديدةquot;.
وقالت الناطقة باسم الخارجية المصرية إن وزير الخارجية المصري نبيل العربي أبلغ الفلسطينيين أنه quot;لا يريد الحديث عن مسيرة السلام بعد الآن لكنه يريد التحدث عن السلامquot;.
وأضافت إن الحكومة المصرية لا تزال تدرس كيفية فتح الحدود مع غزة لمساعدة المدنيين الذين يعيشون هناك، ولتحديد نوعية السلع التي يسمح بمرورها، غير أنها أكدت أن الحكومة قررت المضي في الفكرة.

ترجمة: صلاح تقي الدين
الاندبندنت