إياد الدليمي

منذ أن بدأت الاحتجاجات ومسيرات الحرية في المدن السورية، والإعلام الرسمي التابع للنظام في دمشق يعيد ويكرر ذات الأسطوانة المشروخة، وهي أسطوانة الطائفية، متهما كل من خرج بأنه يسعى لإثارة النعرات والفتن، وأن الثلة المندسة تسعى لإقامة الإمارة الإسلامية وسوف تقوم بطرد الدروز والعلويين والمسيحيين وغير ذلك من التهم التي ليس لها أول ولا آخر وليس لها أي أثر سوى في مخيلة من يسير عجلة الإعلام الرسمي في سوريا.
صناعة الفتنة في أي دولة عربية تعد تخصصا حكوميا ورسميا بامتياز، فليس هناك من نظام عربي إلا وسارع إلى الحديث عن فزاعة الفتنة والمفتنين مع أول شرارة للثورة، وليس المثل المصري ببعيد عندما كان يتحدث رأس النظام حسني مبارك بأنه حامي البلاد من الفوضى والفتنة، حيث كان يخوف الناس من مصير أسود إذا رحل، ومعه يطبل ويزمر الإعلام المصري الرسمي، ليتبين للجميع بعد ذلك أن رأس الفتنة هو النظام وأنه من كان يفتعل التفجيرات الطائفية ليبقي لوجوده مسوغا.
أما في ليبيا، ولغياب التنوع الطائفي والديني، فلقد لجأ أبومنيار، معمر القذافي ونجله السيف، إلى تهديد ليبيا بحرب بين قبائل الشرق والغرب الليبي، مؤكدا أن وجوده هو صمام أمان لوحدة ليبيا، محذرا من مشروعات لتقسيم ليبيا، إلا أن واقع الحال يؤكد من جديد أن الشعب الليبي ما زال متماسكا متمسكا بوحدته، وأن الشرق والغرب يخوضان حربا للخلاص من هذا النظام، بعضهم تمكن من رفع السلاح وآخرون لا يزالون ينتظرون الفرصة المناسبة للخروج على هذا الطاغية ونظامه.
وأيضا الحال تنطبق على صالح اليمن، الذي فاته القطار ولم يعد يدري أين يلتجئ، فرغم كل التحذيرات من تسلل القاعدة وسيطرة الحوثيين وانفصال الجنوب، إلا أن الشعب اليمني يردد ليل نهار laquo;ارحل ارحلraquo;.
الأمثلة والشواهد كثيرة على خيانة هذه الأنظمة القمعية للأمانة، وعلى تحولها إلى وحوش كاسرة، تخجل من أفعالها حتى دولة الكيان الإسرائيلي اللقيطة، بل كثيرا ما صرنا نقرأ تعليقات بعض السوريين وهي تترحم على القمع اليهودي أمام قمع آلة النظام.
والحديث عن الفتنة الطائفية في سوريا يكاد يكون القاسم المشترك لكل وسائل الإعلام الرسمية التي تسعى إلى تخويف الناس من الفتنة التي تعمل هي على صنعها ليل نهار، حتى وصلت بها الحال إلى تسليح العلويين وبعض الدروز في بانياس وغيرها من المدن بحجة وجود قوى سلفية سوف تسعى لمهاجمتهم.
بل أكثر من ذلك، فلقد هوجمت بعض أحياء حمص وبانياس واللاذقية من قبل عناصر النظام وهي ترتدي زيا يوحي للناس بأنهم من السلفيين، حتى تزيد من حالة الخوف والهلع في نفوس الناس، ناهيك عن عمليات القتل التي تعرض لها عدد من ضباط وجنود الجيش العربي السوري بعد أن رفضوا إطلاق النار نحو المحتجين، لتقوم السلطات بتصوير ذلك على أنه من فعل الجماعات السلفية والإخوان والمندسين، بل تمادت حتى راحت تعرض أشرطة لعمليات تمثيل ببعض الجثث على أنها من فعل تلك الجماعات.
على الثوار في سوريا أن يكونوا حذرين في تعاملهم مع النظام وأن يبتعدوا عن كل ما يمكن أن يتحول إلى سلاح ضدهم في معركتهم نحو نيل الحرية، ومن بين ذلك إبعاد الأشخاص ذوي التوجهات الإسلامية المعروفة عن الواجهة، مع كامل الاحترام لهم، ولكن كيلا تقوم أجهزة الإعلام السوري باستخدام ذلك ضد المتظاهرين، وأيضا التأكيد في كل جمعة على رفع شعارات وطنية تكون لها الأولوية، وعدم الانجرار للعبة النظام لإيقاع المتظاهرين في براثن الطائفية من خلال الاستفزازات التي تمارسها أجهزة النظام.
على الثوار في سوريا أن يكونوا على قدر عال من الوعي لهذا المخطط الرهيب الذي يحاك في دهاليز دمشق من أجل جر المتظاهرين إلى براثن الفتنة، الفتنة النائمة لعن الله من أيقظها، وعلى رأسهم النظام وأجهزة إعلامه.