فهمي هويدي

laquo;إمارة زنجبار الإسلاميةraquo; تعد أحدث حيلة استخرجها الرئيس اليمني من كيسه لتبرير استمراره في السلطة، إذ بعدما ظل يناور ويراوغ في رفض التنحي طوال أربعة أشهر، وبعد الدماء التي أسالها والنعرات القبلية التي حاول إثارتها، وبعدما لوَّح باحتمالات الحرب الأهلية، واستنفد رصيده من الأعذار والحيل التي تعلل بها لعدم توقيع المبادرة الخليجية للانتقال السلمي للسلطة. بعد كل ذلك فإنه وجد أن laquo;القاعدةraquo; هي الحل.
لست واثقا مما إذا كان الرئيس اليمني التقط فكرة فزاعة القاعدة من نظيره الليبي أم لا، لأن الأخير استخدم الفزاعة ذاتها لإثارة مخاوف الغربيين من الثائرين على نظامه، ولكننا نعرف أن لتنظيم القاعدة وجودا في اليمن (حيث أصول أسرة بن لادن) قبل أن تصل أصداؤه إلى المغرب العربي.
نعرف أيضا أن التخويف بالفزاعة الإسلامية شائع في أوساط المستبدين (وبعض المثقفين) العرب، وأن التلويح بحضور تنظيم القاعدة هو أعلى درجات التخويف. وظل منطق القادة المستبدين يردد حجة واحدة، خلاصتها أن أنظمتهم إذا كانت سيئة (هم لا يظنون أنها كذلك) فإن البديل عنهم يظل الأسوأ، ليس فقط فيما يمكن أن يوقعه من ظلم واحتكار وفساد، وإنما أيضا فيما يشكله من تهديد للمصالح الغربية. وهي حجة صدقها الساسة الغربيون ولم ينسوها طوال الوقت. ولذلك فإنهم شملوا العقيد القذافي برعايتهم، وظلوا على دعمهم للرئيس علي صالح الذي فتح للأمريكيين أبواب اليمن وسماواتها، لكي يقودوا بأنفسهم ملاحقة عناصر القاعدة وتصفيتهم، وهو ما لم تقصر فيه الاستخبارات والقوات الخاصة الأمريكية. ولكن الأمريكيين وكل الساسة الغربيين حين داهمتهم الانتفاضات العربية رفعوا أيديهم ووقفوا يتفرجون، وباتوا يراهنون على الورقة الرابحة. وفي حين تدخلوا إلى جانب الثوار في ليبيا، فإن السفير الأمريكي وممثلي الاتحاد الأوروبي كانوا حاضرين في مختلف مراحل التفاوض لنقل السلطة في اليمن.
من الواضح أنه حين ضاق الخناق حول الرئيس اليمني، فاتسع نطاق الجماهير المطالبة برحيله. ولم تفلح عمليات القمع والترهيب التي مارسها رجاله، فإنه ألقى بورقة الإمارة الإسلامية لكي يبلغ الجميع ــ خصوصا الدول الخليجية والغربية ــ بأن خطر تنظيم القاعدة حقيقي وليس مجرد فزاعة، وأن اليمن مرشحة لأن تصبح أفغانستان أو صومالا أخرى، إذا ما ترك الحكم أو أرغم على ذلك.
كان اليمنيون أول من أدرك ذلك، إذ لاحظوا أن محافظ laquo;أبينraquo; والمسؤولين في الدوائر الحكومية والمراكز الأمنية وأجهزة السلطة المحلية غادروا مدينة زنجبار عاصمة المحافظة الجنوبية بصورة مفاجئة. بدت أقرب إلى الانسحاب والإخلاء المتعمد للساحة. في الوقت ذاته فإن عددا من المسلحين الذين يتراوحون بين 300 و500 شخص دخلوا إلى المدينة من مختلف الاتجاهات، حيث كان معظمهم يتمركز في مديرية laquo;جعارraquo; التي يسيطرون عليها منذ منتصف شهر مارس الماضي، وبسهولة اقتحم هؤلاء المقار الحكومية ومعسكرات الشرطة والأمن المركزي ومبنى جهاز الاستخبارات. بعدما تم إخلاؤها من الجنود والحراسات التي اختفت بدورها بصورة غامضة في أماكن غير معلومة. وبمنتهى اليسر تمكنوا من الاستيلاء على ما في تلك الأماكن من عتاد وأسلحة مختلفة بينها عربات مصفحة وناقلات جند ورشاشات متوسطة وقذائف وقنابل هجومية وصواريخ محمولة على الكتف من نوع بازوكا وآر.بى.جى.
في فضح العملية أصدرت قيادة القوات المسلحة المؤيدة للثورة بيانها الأول الذي قالت فيه إن الرئيس اليمني أصدر توجيهاته للأجهزة الأمنية في laquo;أبينraquo; بتسليم مؤسسات الدولة للجماعات المسلحة لإيهام الدول الغربية بأن اليمن مرشح لأن يصبح صومالا أخرى. وأعلن البيان في مؤتمر صحفي حضره ثمانية من قادة الجيش برتبة لواء. وهو ما اتفق معه وزير الداخلية اليمني السابق حسين محمد عرب الذي قال إن القاعدة لم تشن أي هجوم على زنجبار ولكن القيادات الأمنية سلمت المدينة إلى المسلحين الذين أعلنوها laquo;إمارة إسلاميةraquo; ونصبوا عليها أميرا يدعى بسام بالعيدي ينتمي إلى قبيلة المراقشة في laquo;أبينraquo;.
لقد آثر الرئيس علي عبد الله صالح أن يتحالف مع laquo;القاعدةraquo; ليستمر في السلطة، بدلا من أن يسلم البلد إلى الوطنيين الشرفاء الذين طالبوه بالرحيل، الأمر الذي يسوغ لنا أن نقول بأن رئيسا كهذا لا تناسبه إلا laquo;قاعدةraquo; من ذاك القبيل.