سليمان صالح


دراسة التاريخ الحديث تكشف لنا بوضوح أن هناك علاقة بين تزايد الاستكبار والعلو الإسرائيلي وتزايد الاستبداد في الوطن العربي.
يمكن أن أقدم لكم الكثير من الأدلة على صحة تلك النتيجة، ومن المؤكد أن تلك النظم العربية المستبدة قد قامت بضرب القوى الوطنية التي تعادي إسرائيل خاصة التيار الإسلامي.
وإسرائيل نفسها لم تنجح في ضرب التيار الإسلامي داخل فلسطين كما نجحت تلك النظم المستبدة، وبذلك نجحت تلك النظم في حماية الأمن الإسرائيلي وتوفير كل الظروف لفرض سيادة إسرائيل وتفوقها العسكري على المنطقة.
الأخطر من ذلك أن النظم العربية المستبدة قد قامت بدور خطير قي إضعاف الدول العربية التي سيطرت عليها اقتصاديا وسياسيا فقد دمرت الموارد المادية لهذه الدول، وقللت من فرص التقدم الصناعي والزراعي.
هناك ملاحظة أخرى جديرة بالدراسة أن النظم الاستبدادية العربية لم تحاول أن تنمي الثروات الوطنية وتستخدمها في تحقيق التنمية والتقدم وحاولت أن تربط دائماً الاقتصاديات الوطنية بأنشطة غير إنتاجية أهمها السياحة.
لذلك فإن النظم الاستبدادية وفرت الفرص لإسرائيل للتحكم في الاقتصاد الوطني وزيادة إمكانات التجسس على البلاد!
لو درسنا أيضاً السياحة في العالم لوجدنا أن اليهود يتحكمون في معظم الشركات السياحية، وفي عملية الترويج لبعض المناطق وتقديمها كمناطق جذب سياحي.
تبدو حالة مصر وتونس شاهدة على صحة استخدام السياحة كوسيلة للتحكم في الاقتصاد الوطني، والدور الإسرائيلي في زيادة اعتماد الدول على هذا المورد.
فخلال حكم quot;بن عليquot; تطور الاقتصاد التونسي بسرعة، لكنه اعتمد على أنشطة خدمية ترتبط بالسياحة، وكان لإسرائيل دور واضح في تنشيط السياحة في تونس وتحويل تونس نفسها إلى منتجع سياحي لإسرائيل، وأصحاب الشركات السياحية ارتبطوا بعلاقات خاصة وقوية مع quot;بن عليquot; وزوجته وأصهاره وأقاربه.
وهؤلاء الأقارب والأصهار سيطروا على شركات الطيران وأقاموا الكازينوهات والفنادق وما يرتبط بها من أنشطة غير قانونية وتسيء إلى كرامة الشعب.
أدى الاعتماد المكثف على السياحة إلى تزايد البطالة خاصة بين الشباب الذين تعلموا في الجامعات، وفي الوقت الذي تراكمت فيه الثروات في أيدي أولئك الذين عملوا في مجال السياحة ازداد فقر أصحاب التخصصات العلمية الذين كان يمكن أن يشكلوا نهضة البلاد.
ارتبط كل ذلك أيضاً بتزايد قوة أجهزة الأمن التي كان من أهم وظائفها حماية وتأمين الراحة والأمن للأفواج السياحية خاصة من الأوروبيين وفي مناطق معينة مثل شرم الشيخ.
وكانت المكافأة التي يمكن أن يحصل عليها الضباط الذين يقدمون خدمات مهمة للنظام هو تحويلهم إلى العمل في الأمن السياحي، وهذا يتيح لهم الحصول على الكثير من الأموال، ثم الانتقال بعد التقاعد للعمل في مجال السياحة.
ولو حسبنا إيرادات السياحة خلال حكم حسني مبارك في مصر لوجدنا أن ما ضاع على مصر من أموال نتيجة صفقة الغاز مع إسرائيل أكبر من إيرادات السياحة.
ما يلفت النظر أيضاً هو ظهور شخصية حسين سالم الذي ارتبط بصداقة قوية مع حسني مبارك وبصفقة الغاز، وبشرم الشيخ كمنطقة جذب سياحي وكمنتجع لإسرائيل.
ودراسة شخصية حسين سالم يمكن أن تزيد فهمنا لما حدث في السنوات الثلاثين الماضية، فبعد الثورة هرب هذا الشخص إلى إسرائيل، واتضح أنه يحمل جنسية إسرائيلية.
ولقد أغرى حسين سالم صديقه حسني مبارك بالإقامة في شرم الشيخ في مجموعة من القصور التي أقامها له، وعقد مؤتمر السلام مع إسرائيل في هذه المنطقة.
في الوقت نفسه كانت تدير السيدة سوزان وابنها جمال شؤون الدولة في القاهرة، والرئيس يمتع نفسه مع صديقه في شرم الشيخ، ويساعدهم في ذلك شخص غامض هو أحمد عز الذي قام بتزوير الانتخابات.
أما الحزب الحاكم فهو بلا برنامج أو هوية أو مشروع قومي، وجمع كل الفاسدين الذين ادعوا أنهم رجال أعمال، وامتلكوا ثروات طائلة عن طريق الأنشطة الطفيلية.
هكذا ارتبطت النظم الاستبدادية بإسرائيل التي زرعت عملاءها داخل هذه النظم وفي الوقت الذي كانت فيه النظم المستبدة تقهر شعوبها وتطلق أيدي أجهزة الأمن لتعذب الناس، وتدمر إمكانات نمو الاقتصاد الوطني عن طريق مطاردة كل من أراد أن ينشئ شركة تقدم عملاً إنتاجياً، كان النظام المصري يعطي الغاز لإسرائيل بسعر يقل عن تكلفة إنتاجه، وتحول السياحة لتكون المورد الرئيسي للاقتصاد الوطني وتدافع عن أمن إسرائيل.
من أجل ذلك كان لابد أن يبكي الإسرائيليون على كنوزهم الإستراتيجية خاصة حسني مبارك وابن علي، وسوف تبكي إسرائيل طويلاً فانهيار النظم العربية المستبدة سوف يتبعه بالضرورة ضعف إسرائيل وهزيمتها.