عبدالعزيز بن عثمان التويجري


لم أستغرب انهزام الرئيس الأميركي باراك أوباما، أمام مؤتمر إيباك الأسبوع الماضي في واشنطن، وتراجعه عن موقفه في شأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على الأراضي الفلسطينية منذ حزيران (يونيو) 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

كما لم أستغرب خضوع الكونغرس الأميركي بمجلسيه، الممثلين للحزبين الكبيرين الجمهوري والديموقراطي، لرئيس وزراء إسرائيل نتانياهو، الذي كان يلقي تعليماته وأوامره على الحاضرين، فيقفون له مصفقين أكثر من عشر مرات متتالية.

هذه هي أميركا الدولة العملاقة تخضع لسطوة القوة اليهودية الصهيونية، ويسارع زعماؤها وممثلو الشعب فيها، إلى استرضاء إسرائيل وتقبّل الإهانات والتوبيخ منها، ومن القوة الداعمة لها بين ظهرانيهم. إنها سنة الانتخابات الأميركية، حيث الصوت اليهودي المدعوم بالمال المؤثر، والنفوذ الصهيوني المتحكم في دواليب السياسة والإعلام، يصنعان الأعاجيب، ويقرران إلى حد كبير، مَن يصل إلى الرئاسة وإلى المناصب الكبيرة في مجلسي الشيوخ والنواب.

أما قرارات الأمم المتحدة واللجنة الرباعية وحقوق الإنسان وحقائق التاريخ، فهذه كلها بالنسبة الى الولايات المتحدة الأميركية أمور ثانوية لا يهتم بها الذين يسعون إلى طلب الرضى من إيباك، ومن قادة اليمين الإسرائيلي العنصريين.

وهذا هو موقف أميركا الحقيقي من قضية فلسطين؛ بيع وشراء للأصوات الانتخابية والسعي المحموم للحصول على الدعم السياسي والمالي والإعلامي، وذر رماد في عيون العرب والمسلمين بعبارات لا قوة خلفها ولا صدقية في تنفيذها، وبمواقف لا قيمة لها ولا جدوى ترجى منها، وبسياسات تتعارض مع مبادئ وثيقة الاستقلال ومع روح الدستور الأميركي، ومع ميثاق الأمم المتحدة، ومع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ويبقى أن يعي الفلسطينيون وعياً رشيداً يفتح بصيرتهم وينير أمامهم الطريق، أن حقوقهم الوطنية المشروعة المسلوبة لا تسترد إلا بتلاحم صفوفهم، وبقوة صوتهم الواحد وصلابة موقفهم الوطني، وبدعم العالم العربي الإسلامي وأحرار العالم لهم.

لكن كيف يتحقق ذلك والعالم العربي الإسلامي يمر اليوم بمتغيرات كبيرة وباستقطابات حادة تضعف من قوته ومن وحدة مواقفه، وتنشغل شعوبه بقضايا الحرية والمساواة والحكم الرشيد في مواجهة أنظمة كان من واجبها القيام بذلك حفاظاً على استقلال بلدانها وسلامتها وكرامة مواطنيها، لكنّها رأت في الحكم مغنماً شغلها عن مســـؤولياتها الحقيقية تجاه شعوبها وأوطانها، فوصــلت الأمور إلى ما هي عليه من سفك للدمــاء وتخريب للعمران ووقف للتنمية، وفتــح للأبــواب أمام أصحاب المطامع والأهواء لينــفذوا منها، فيزيدوا الطين بلّة والأحوال سوءاً على سوء. كيف يتحقق ذلك يا ترى وأمر العالم العربي الإسلامي اليوم كما نعرف جميعاً؟

لقد بيّن القرآن الكريم طريق السلامة والفلاح للناس كافة بقوله تعالى: laquo;إن الله يأمر بالعدل والإحساء وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرونraquo; - النحل: 90، فسار الناس في طريق الظلم والبغي، والظلم هو سبب انهيار الدول وفساد الأمور، والبغي هو طريق الخراب وسوء العاقبة. فهل توقظ هذه الأحداث الصاخبة والتطورات العاصفة، نيام الحكام وغفاة المسؤولين ليتعظوا بها ويتعلموا منها ويراجعوا أنفسهم على ضوئها، ويبدأوا انطلاقاً من ذلك كله، صفحة جديدة من الصدق في القول والفعل، والعدل في الحكم وتسيير شؤون البلاد، حتى لا يتسع الفتق على الراقع، وتقع الواقعة القاصمة للظهر، التي تحيل بلدان العرب والمسلمين إلى ساحة واسعة الأرجاء من الفوضى الهدامة، فيتحقق بذلك حلم غلاة الصهاينة وأعوانهم من مؤيديهم والسائرين في ركابهم، في تمزيق الأمة وإضعافها والتحكم في مستقبل أجيالها، حماية لإسرائيل وإدامة لوجودها الغاصب وهيمنتها الظالمة؟

إن ذلك هو الرجاء الذي يحدو عقلاء هذه الأمة وحكماءها والناصحين المخلصين لها.