أمجد عرار

خلافاً للصورة النمطيّة المتشكّلة في أذهان الناس بالنسبة لسلوك الشخصيات الرسمية، فإن من حق أي شخص مهما كان منصبه، أن يستمتع بحياته مثل أي شخص عادي ما دامت الظروف ملائمة لهذا الاستمتاع . وفي الوقت ذاته، من حق أبناء روسيا أن يعبّروا عن كثير استغراب واستهجان، بل والسخرية، عندما يرون رئيسهم يظهر في شريط فيديو وهو يرتدي سروالاً من الجينز ويرقص على أنغام أغنية أمريكية . بعض هؤلاء لم يتمالكوا أعصابهم أمام رؤية رئيس الاتحاد الروسي يؤدي حركات راقصة على إيقاع أغنية ldquo;أمريكان بويrdquo; فاتهموه ب ldquo;الخيانةrdquo; .


نستطيع أن نتفهّم ونقدّر أن موقف هؤلاء الروس على رقصة رئيسهم، لا يستند إلى موقف فني مجرّد، لأن الفن قيمة إنسانية لا تعترف بالحدود والاعتبارات الجيوسياسية، ولا يحمل بطاقة هوية أو جواز سفر . الفن بطبيعته ورسالته ليس عنصرياً بل هو معاد ومناهض ونقيض للعنصرية .


ليس من الصعب أن نشم في غضب التعليقات الصادرة عن مواطنين روس، رائحة الكبرياء والعزة الوطنية، فهم يعرفون ما يعلمه كل العارفين بتاريخ روسيا، أنها أرض العراقة في الأدب والفن، وأنها مدرسة قائمة بذاتها على مر العصور وفيها من النجوم المتلألئة في المسرح والموسيقى والرقص الشعبي والأعمال الأدبية ما يستعصي على الحصر . هم قرأوا رواية ldquo;قصّة إنسان حقيقيrdquo; وكيف أن الطيار الروسي اليكسي ميرسييف الذي فقد ساقية بعد سقوط طائرته في الحرب العالمية الثانية، لم يفقد إرادته، بل ركّب ساقين صناعيتين، ولكي يقنع سلاح الجو بأنه قادر على قيادة الطائرة مجدداً، قام عن الكرسي وبدأ يرقص الباليه .


المسألة في جوهرها ليست فنّية بحتة، وإلا فإن من حق أي إنسان أن يتفاعل ويعجب بأي موسيقي أو ممثل حتى لو كان بنظر آخرين ونقاد، فنانين من الدرجة العاشرة .


بعد حرب جورجيا شعر الروس بنهوض قومي وأحسّوا، لأول مرة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، باستعادة هيبة الدولة العظمى التي انتفضت دفاعاً عن مجالها الحيوي لحمايته من تسلل غربي مغرض من خلف المحيطات الدافئة والباردة والمتجمدة .


لكن لاحظ الروس، ونحن معهم، كيف أن روسيا رغم استعادة بعض من مكانتها، لم تحافظ على مواقف مبدئية إزاء قضايا إقليمية مهمّة، بل قايضت الغرب على مصالح استراتيجية مقابل مكتسبات آنية، لدرجة أن بعض المحللين، صغاراً وكباراً، يتحدثون بسخرية عن مواقف موسكو في بعض الحالات الساخنة، متوقّعين التراجع عنها بعد أخذ وردّ مع واشنطن وعواصم أصغر تدور في فلكها . من تلك المواقف صفقات أسلحة واتفاقيات ذات طبيعة عسكرية أشمل، ومنها أيضاً ما انطوى على بعض التردد والتراجع في شأن قضايا تخص روسيا في الصميم مثل الدرع الصاروخية .


نائب وزير الدفاع الروسي أناتولي أنتونوف كان صريحاً في اعترافه بهذا التراجع عندما قال ldquo;في الماضي كنا نقول: لا لا لا، في كل مرة يأتي فيها ذكر الدفاع الصاروخي، أما الآن فإننا نقول: نعم ولكنrdquo; . لقد علّمتنا السياسة أنه في الصراعات التي يكون فيها الانحناء منهجياً فإن الrdquo;لاrdquo; التي تتحول إلى ldquo;نعم ولكنrdquo;، تنتهي بتبخّر الrdquo;لكنrdquo; . وبهذا المعنى، يمكن أن تفهم أن الروس نظروا إلى رقص ميدفيديف على الإيقاع الأمريكي، رقصاً سياسياً، ومن حقّهم أن ينظروا له كrdquo;رقص على الحبلينrdquo; .