يوسف الكويليت

بأي حق يتمّ حرمان الشعب العربي من ممارسته للديمقراطية، وهل حكَم عليه التاريخ أن يُحكم بالسيف والخنجر، ثم الدبابة والرشاش ليُسلب حقه الإنساني؟ وهل تستطيع الحكومات الشمولية ودولة الحزب والثكنة أن تسمع من الشعب ولعدة أيام وشهور صوته، وهي التي رقدت على قلبه عقوداً من السنين ، ومسخت وجوده وكيانه، وأنهت أي مبادرة للتقدم والنهضة؟

فالمواطن يذهب لمن يسمونهم أعداءه لقناعته أن حقوق الإنسان متوفرة في أنظمتهم وسلوكهم لدرجة طلبه التدخل بأي شكل لإنقاذه من حكومات تدعي وطنيتها، كما جرى في العراق، وقبل ذلك في لبنان في الخمسينيات، وحالياً في ليبيا، وغداً لا ندري على أي شاطئ أو مطار تقف البوارج وحاملات الطائرات ومنصات الصواريخ، بسبب عوامل اليأس..

السؤال المحيّر هل الأزمات العربية بأسباب داخلية أم خارجية، ولماذا نحن من بين دول العالم بلا حصانة من المؤامرات والتدخلات، أم أنها سلعة سياسية تداولها المغفلون ورسختها السلطات في عقول أمتنا؟!

ولعل من عاش صراع القوى العظمى حولنا يجد أنها تسكن الغرفة الواحدة، وتحدد أهدافها بعيداً عن مظاهر الأيدلوجيات وتقاطع المصالح، وقد غشتنا تلك المظاهر وأكلنا الكثير من خبز الغباء لدرجة أن السفارات وأجهزة الاستخبارات، وكلّ من يطلع على الوثائق التي سُمح بتداولها، يجد أن تمرير الصفقات، وتغيير الحكومات لم ينجحا لولا من أعطاهما حق التعامل من الداخل، ولكننا، ولأسباب كثيرة، عاطفيون لا نقتفي التاريخ كمعلومة يتأسس عليها واقع جديد، بل نأخذ بمبدأ laquo;عفا الله عما سلفraquo; حتى في القضايا التي تسببت بكوارث الحروب والهزائم التي لم يتم مراجعتها بإدانة تلك المراحل، أو محاكمتها على ضوء أفعالها ونتائجها التي نعيشها حتى الآن..

فقد دخل قاموس العرب السياسي مسميات laquo;الأذناب والعملاء، وأعداء الشعبraquo; وغيرها وهي مقدمات لتقديس الزعيم وتصفية الخصوم على قاعدة رضا الشعب لدرجة أن حرب شوارع جرت في عواصم عربية بين أحزاب وطوائف، وأضداد يتقاتلون تحت لافتات تلك التهم..

حالياً، وفي أكثر من عاصمة، تلغى حالات الطوارئ، ثم تقمع المظاهرات لأنها جاءت بإيحاء أجنبي، وتقطع المياه والكهرباء والهاتف، وتتحول سيارات الإسعاف إلى أهداف لشرطة السلطة، ويعدّ من يخرج غير مبالٍ بالموت، بأنه عدو تم تنظيمه لصالح قوى خارجية، مع أن الحياة قيمة بذاتها، لكن تحت القهر وامتهان الكرامة تصبح التضحيات واجباً وطنياً أمام من أغلق نوافذ الحرية، وفضاءها..

لقد وصفت أدبيات عالمية العربَ بأنهم جنس غير قابل للتغيير، وأنه ميّت في قوقعة ماضيه، وحتى تصنيفنا بين الأجناس جئنا فيما قبل الأخير، وهناك من أراد تطبيق نظريات laquo;بيولوجيةraquo; واجتماعية بأن السر في عدم اعتراضنا على الاستعمار ثم الاستعمار الداخلي من قبل دكتاتورياتنا، هو أننا نفتقد الحافز، لأن في صلب مكوّننا قصوراً متوارثاً عقلياً عجز عن أن يجاري مثلاً إسرائيل المحتلة بديمقراطيتها، وحلولها العلمية الهائلة، لكن ما أنقذنا في لحظة غير محسوبة أن الشعب ثار فنسفت نظرية القصور، لأن الحافز موجود والاستجابة جاءت سريعة وغير متوقعة..