بقلم: حسن الأسود
لقد نجحت الجماهير المصرية وأحزابها بتلاقيها على وحدة هدف إسقاط نظام مبارك، فهل ستختلف في التلاقي على أولويات آلية الإصلاح للمرحلة الانتقالية؟ وحيث تدور اليوم خلافات حول المشهد السياسي الوليد، إذ ان هناك جماعة مصرة على منهجية استمرار اعتصامات الجماهير وهذا الأمر لا خلاف عليه إذا كان الهدف منه تصحيح بعض النواحي المستعجلة في حراك الثورة، لكن المعضلة أن تتحول تلك الاعتصامات للحسابات الفئوية والحزبية والمزايدة الاستعجالية للتنصل من التزامات توجهات الأغلبية الجماهيرية وللقفز على مراحل الإصلاح فان ذلك النهج قد يكون غير مسؤول أو غير مدرك لحقائق وتبعات بعض ردات فعل بعض القوى الدولية المتربصة والمستهدفة لذات مصر وصحتها، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن المجلس العسكري يبدو انه يسير بشكل حذر ومتعقل لكونه يدرك جيداً مدى خطورة أي قرار قد يكون مناكفاً للخارج في هذه المرحلة من تاريخ ولادة مصر لكن ذلك الحذر وربما البطء قد يفسر بالتشكيك في مصداقية المجلس العسكري، والحقيقة التي يجب ألا تُغفل انه من يتصدى لحكم مصر فان عليه أن يعي جيداً انه يحكم بلدا محوريا بكل معنى الكلمة وهو ما يفرض عليه مراعاة الكثير من المحاذير خصوصاً إذا كان وضع مصر كما هو وضعها اليوم من التردي الاقتصادي فكل المراقبين السياسيين سواء في الدوائر الرسمية أم في المراكز المستقلة يُشخّصون أن مصر في قلب الحدث والاستهداف الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط من قبل القوى المعاكسة لنهوض الأمة، إن مصر اليوم هي في أمس الحاجة إلى الوقت والعمل الجاد الحذر إذ ان مسألة تعافيها قد تكون مسألة وقت لو نظر إليها بعين العقل والتروي وحس المسؤولية الوطنية من مختلف أجنحة الأحزاب المتباينة ومجموعات الطيف السياسي.
أما محاولات بعض القوى السياسية المستميتة اليوم لاستنهاض بعض مجاميع الشعب لرفض ما أفرزته الصناديق من نتيجة حول التعديلات الدستورية ومسار الإصلاح السياسي في الفترة الانتقالية القادمة فان ذلك قد يبدو واضحاً انه موقف متسم بالنكث بالعهود خصوصاً مع توافق المعترضين وإجماع الأمة المصرية ابتداءً على مبدأ الاستفتاء على التعديلات الدستورية والية الإصلاح للمرحلة الانتقالية القادمة.
إذاً لماذا يسعى البعض من الأحزاب السياسية والنخب التي يعتد بنزاهتها وبعد ظهور النتائج لرفض حقائق الاستفتاء والدفع بتأجيل موعد الانتخابات البرلمانية أو بصياغة دستور قبلها؟ وللإجابة عن هذا السؤال فانه لابد من الرجوع إلى نتائج الاستفتاء وملامستها بشكل تحليلي فمن الواضح من نتائج فرز أصوات الاستفتاء أن الغالبية المشاركة أيدت التعديلات الدستورية وكل ما يترافق معها من مواعيد زمنية لتحديد الانتخابات البرلمانية ويبدو واضحاً بعد الفرز ورغم اتفاق كل الأحزاب السياسية المصرية على الدخول لصناديق الاستفتاء أن حقيقة النتائج قد أرعبت بعض الأحزاب وبعض الشخصيات البارزة مما حدا بها للتراجع والدفع لتأجيل موعد الانتخابات البرلمانية القادمة إذ مما هو مؤكد أن الاخوان كانوا يؤيدون كل التعديلات الدستورية والخطط الزمنية الانتقالية التي عرضها المجلس العسكري على الشعب.
وتلك النتائج قد عكست بصورة أولية أن القواعد الشعبية ستكون ذات ميول إسلامية بأغلبية ساحقة في أي انتخابات قادمة في الوقت الراهن وهو الأمر الذي يُنبئ بسيطرة إسلامية واخوانية تحديداً على مقاعد البرلمان القادم وذلك ما أثار حفيظة التخوف لدى بعض الأحزاب والشخصيات الليبرالية والقومية من حدوثه خصوصاً ان البرلمان القادم سيكون من أولويات مهامه صياغة دستور قادم لمصر، وهنا يدخل التخوف لدى بعض الأحزاب والشخصيات السياسية من أن يأتي تشكيل الدستورالقادم وإقراره حاملاً لتوجه إرادة طيف سياسي واحد مهيمن في هذه المرحلة على الساحة المصرية رغم تسليم الجميع بأن ذلك لن يمر إلا بآلية دستورية وسيكون عاكساً لتوجه الأغلبية الشعبية.
وواقع الحال أن أي تخوف من نتيجة قد تبرزها صناديق الانتخابات أو الاستفتاءات الشعبية هو ليس مبررا تحت أي ذريعة وأيا كان مصدرها مادامت الانتخابات قد اُجريت في ظروف نزيهة وشفافة فالالتزام بنتائج الصندوق هو ما يجب أن تُثقف به أجيال هذه الأمة في مستقبلها حتى يصبح ذلك سلوكا مُسلما به ومباركا فيه لحظوظ الفائز من جميع التيارات السياسية وقواعدها الشعبية المتنافسة، وعليه فان أي مطالبة اليوم بتأجيل موعد انتخابات مجلس النواب تحت ذريعة أن الشعب مازال غير مُدرك لما هو واقعي وانسب لحاجات مصر أو بدعوى تأثير التيار الإسلامي في الجمهور نتيجة ما قد كان يُقدم من دعم مالي واجتماعي لهم فان ذلك المنطق في تقديرنا ليس مبرراً بأي حال من الأحوال، ثم ان التساؤل الذي يطرح نفسه هنا ألا يعتبر ذلك التراجع في المواقف خرقا وعدم احترام لإرادة الأغلبية التي تمخضت عنها نتائج فرز أصوات الصناديق؟ فتلك الأغلبية العاكسة لتوجهات الجمهور هي في حد ذاتها تشكل صكا قانونيا مُلزما لا يجوز النكوث به أو التراجع عنه من قبل أي مرجعية قانونية بمعنى أنها تعد بعد توافق الكل على خوض الاستفتاء واقعا ملزما لجميع التيارات بالنزول تحت صيغتها.
أما محاولات البعض اليوم التراجع فان هذا فيه الشيء الكثير من التسييس المفسد للنيات الوطنية الذي لا يخدم مصر وهي في بادئ طريق ولادتها الجديدة ونحن لا نتبنى ذلك الموقف بدافع تغليب الإسلاميين فنحن شخصيا نميل للهوى القومي ولكن في كل الأحوال يجب احترام إرادة إجماع الشعوب وأغلبية ميولها، ومع حاجة المجتمع المصري الذي ما كاد أن يفوق من كابوس حُكم استبدادي فهو بأمس الحاجة اليوم إلى النخب السياسية الصالحة والمُتعالية على بريق وإغراءات النفوذ وذلك للاسترشاد بها في عملية الإصلاح القادم فإذا صدقت هذه النخب واتفقت فيما بينها على احترام توجهات الناخب ونتائج laquo;الصندوقraquo; وغلبت حب مصر وسموها على أي تطلعات شخصية وحزبية فإن حال مصر سيصلح وسيفرض نفسه على بقاع الأرض شرقا وغربا وليس خافياً ان في صلاحه صلاح حال الأمة.
ولو افترضنا جدلاً وواقعاً تحقق سيطرة الاخوان على مقاليد حكم مصر فإذا كان ذلك سيمر عبر آلية صحيحة وصحية لصناديق اقتراع جماهيري فما الضير في ذلك؟ أوليست هذه الديمقراطية؟ إذاً فليترك الأمر لمن يرسو عليه اختيار الأغلبية من الشعب أيا كانت نحلته وتوجهه مسلما، قبطيا، يهوديا، بعدها تكون الصمامات الدستورية المُقوّم الفعلي لرقابة سير أداء إدارته للبلاد.
ونعتقد شخصيا ان المعيار القادم لأي حكومة على المدى القريب وأيا كان توجهها يجب أن يتمثل في إشباع البطون واحداث التنمية الحقيقية لأمة مصر مع مراعاة حفظ كرامتها فإذا عجز الاخوان أو غيرهم عن احداث نقلة مرحلية محسوسة في مستوى الوضع المصري العام وعجزوا عن مواكبة تحولات الأوضاع السياسية العالمية وبراجماتيتها ونزعوا إلى تبني منحى تغليب المواقف العقدية مثلاً على حساب المصالح السياسية والاقتصادية وبدا أنهم سيتسببون في عرقلة تعافي مصر فان الشارع سيكون هو الحكم في أي انتخابات أخرى إذ ستدفع الظروف مجاميع الشعب إلى الواقعية أكثر في الاختيار وستحث الخطى للبحث عن البديل الذي يُلبي حاجتها وينعش مستقبل أجيالها وكما يعتقده البعض اليوم، وبالتالي في اعتقادنا لا يوجد اي مبرر للتخوف من سيطرة إسلامية أو غيرها المهم في هذا العهد أن يُحتكم إلى قرار أغلبية نتائج الصناديق بتشكيل ديمقراطية حقيقية تفرز من العقول والرجال ما يريده الشعب لقيادته إذ ليس من الحكمة الوطنية زرع عامل التشكيك منذ البداية والتخوف من الطرف الآخر لمجرد تعالي حظوظه بالفوز في مرحلة من مراحل العمل الديمقراطي فالديمقراطية في تقديرنا هي كفيلة مع تقادم نهجها بتحرير العقول والنفوس من التبعية غير المدركة لأي جهة وهي تصقل الأنفس فتبرز طبيعتها ومقدرتها الذاتية من دون الحاجة للتملق والمزايدة.
وحيث إن الشائعات تُروج من قبل البعض بعدم نزاهة المجلس العسكري فان سير الأحداث يبدو انه يُبرز عكس ذلك فمما هو واضح ان المجلس العسكري ماض بخطى متأنية لنقل السلطة للشعب ومُتبن لكل مواقف ورغبات العدد الأكبر من حشود الجماهير وعلى ذلك فإن الأنسب في هذه المرحلة لمصر وشعبها وفي ظل سوء الاقتصاد والترقب الحالي للدوائر الغربية والإسرائيلية لما ستؤول له أحوال مصر من مواقف سياسية هو تبني وحدة الصف وصواب تشخيص الأولويات، فيا أهل مصر الله الله في حفظ ثورتكم من الخلاف والتنازع، الله الله في مصر، الله الله في الأمة العربية فإن حالها متوقف على ما ستؤول له أوضاع مصر من صحة في الطرح وسلامة في النهج والتفكير والتنفيذ.
التعليقات