ياسر الزعاترة
باستثناء قلة قليلة من علماء سوريا المعروفين ممن جهروا بكلمة الحق مثل الشيخ أنس عيروط من بانياس، والشيخ كريم راجح والشيخ أسامة الرفاعي من دمشق والشيخ إبراهيم السلقيني مفتي حلب، والشيخ عدنان السقا من علماء حمص، فإن الغالبية الساحقة منهم لا تزال أسيرة الخوف، فيما مال بعضهم إلى ادعاء القناعة بموقفهم الرافض للثورة السورية، أكانوا صادقين، وهم القلة، أو قالوا ذلك تبريرا لخوفهم، وهم الأكثرية.
ما ينبغي أن يُقال ابتداءً هو أن الموقف المناصر للثورة في سوريا ليس كالموقف المناصر للثورة في اليمن أو مصر قبل ذلك، بل حتى ليبيا أيضا، إذ إن الموقف في الحالة السورية له ثمنه الكبير في دولة أمنية بامتياز لا تتورع عن التنكيل بالرجل حتى في أهل بيته، وليس في شخصه فقط، وهو ما يدفع الكثيرين إلى الأخذ بالرخصة المتاحة في مثل هذه الظروف بعدم تحميل النفس ما لا تطيق.
ولعلنا نشير هنا إلى أن مستوى النزق لدى النظام ما زال يعتبر أن مجرد السكوت وعدم التعرض للأزمة نصرةً له ضد شعبه، يعتبره موقفاً ينطوي على بعض التحدي، وهو كذلك في واقع الحال، أقله بالنسبة للفئة المعروفة من العلماء.
من المؤكد أن الجماهير الشعبية تدرك ذلك، وهي تبعا لذلك لم تنتظر إشارة من الشيوخ أو العلماء لكي تخرج إلى الشوارع، لكن جرأة بعضهم في تحدي النظام سيكون له وقعها في قلوب الناس من دون شك، لاسيَّما إذا دفع العالِم ثمن موقفه.
خارج سوريا ظهرت مواقف كثيرة من علماء سوريين اتخذوا موقفا ضد ظلم النظام وقتله أبناء شعبه، ولعل أبرزها موقف العلامة الشيخ محمد علي الصابوني كمعبّر عن رابطة علماء سوريا في الخارج وغيره كثير، وقبلهم كان عدد من كبار العلماء والدعاة من العالم العربي قد أسهموا في التنديد بعسف النظام ودعوة الناس إلى التمرد عليه، وتصدرهم منذ اللحظة الأولى العلامة الشيخ يوسف القرضاوي الذي تعرض لهجمة شرسة من أزلام النظام، الأمر الذي لم يثنه عن موقفه لولا الوضع الصحي الذي ألمّ به، عافاه الله.
من المواقف البارزة التي انتظرها الناس في سوريا موقف الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، وهو رجل معروف بغزارة علمه الشرعي، ويبدو أن العلاقة الخاصة التي نشأت منذ سنوات طويلة بينه وبين آل الأسد (من الأب إلى الابن) قد آتت أكلها في هذه المعركة، إذ خرج الشيخ رافضا الحراك الشعبي، ومنددا بموقف الشيخ القرضاوي، وهو ما أثار الكثير من الخيبة لدى السوريين الذين انتظروا منه موقفا أفضل، ولو سكت لقبلوا منه ذلك، بل لربما اعتبروا سكوته موقفاً للاعتبارات المعروفة.
من المؤكد أن المسألة الطائفية ستظل تطل برأسها من ثنايا الأزمة السورية، ونحن هنا لا نحب ممارسة الوصاية على عقائد الناس، وهذه التعددية الطائفية والمذهبية التي تعيشها منطقتنا تؤكد أن نظرية laquo;لا إكراه في الدينraquo; كانت واقعا معاشا وليست مجرد شعار، لكن المسألة هنا تتعلق بالحرية والديمقراطية أكثر من أي شيء آخر، ذلك أن من العبث الاعتقاد أن نظام طائفة (نسبتها لا تتجاوز %12) تحوّل إلى نظام عائلة، سيكون بوسعه إنجاز إصلاحات حقيقية يدرك أنه سيكون ضحيتها الأولى.
لكن أحدا لن يتمكن من الحيلولة دون البعض واستخدام ورقة الطائفية في ظل حشد طائفي ومذهبي يجتاح المنطقة، وعندما يحدث ذلك سيكون العلماء والمشايخ في قلب الأزمة، أزمة هيمنة طائفة على البلد برمته من جهة، وأزمة غياب الحرية والرد بالرصاص على المطالبين بها من جهة أخرى.
اليوم ينتظر الناس مزيدا من أصوات العلماء الداعية إلى الحرية، والرافضة في الآن نفسه لسياسات النظام، لاسيَّما الأسماء الكبيرة المعروفة في الفضاء السوري، كما هي حال الداعية الشيخ محمد راتب النابلسي، الذي كان موقفه معتدلا في البداية، وإن لم نسمع له شيئا بعد ذلك، وكذلك حال الشيخ وهبة الزحيلي وآخرين.
عندما يسيل الدم في الشوارع، ويصرّ النظام على كبت حريات الناس وحماية الفاسدين واللصوص، يغدو السكوت محرما، وتغدو مقاربة الفتنة ورفض الخروج المسلح في الفقه التقليدي بلا معنى، لأن أحدا لم يخرج بالسلاح، وما جرى هو أن أناسا عزلا من أي سلاح خرجوا يطالبون بالإصلاح، فتمت مواجهتهم بالرصاص الحي.
التعليقات