حسام عيتاني

لم يكن كافياً أو موفقاً ما اتخذته سلطات البحرين من إجراءات لتطويق الأزمة. لقد بدت كمحاولة لوضع أحداث الأشهر الماضية في سياق انتهاك المتظاهرين للقانون ردت عليه أجهزة الأمن بقسوة مفرطة.

يدرك كل ذي نظر أن الأزمة في البحرين أعمق من ذلك وأوسع بكثير. وتتعلق بالتركيبة السكانية وبالأسلوب الذي تتعاطى السلطات فيه مع هذه التركيبة، من جهة، وبتداخل مربك بين الوضعين المحلي والاقليمي وتفاقم التشنج في الخليج.

ولقائل أن يقول أن تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في احداث شباط (فبراير) وآذار (مارس) وتحسن الوضع الأمني في مملكة البحرين والانسحاب الجزئي لقوات laquo;درع الجزيرةraquo; اضافة الى الافراج عن بعض المعتقلين والغاء محاكمة المتهمين امام المحكمة العسكرية، خطوات تأتي في سياق تهدئة سياسية وأمنية يقوم بها الحكم كمقدمات للعودة الى طرح فكرة، قد تكون معدلة، للحوار الوطني، التي تعطلت قبل ثلاثة أشهر عندما رفضتها بعض القوى المعارضة.

ثمة جملة من العقبات قد تعود إلى البروز أمام أي حوار جديد في البحرين. منها ما لا قدرة للمنامة على تجاوزه او توفير حلول له مثل الدور الإيراني في الخليج والمخاوف التي يثيرها، ووقوع البحرين على الخط الأول لأي مواجهة عسكرية قد تنشب بين ايران وبين القوات الاميركية المنتشرة في الخليج. ويضاف اليه الضغط الإعلامي والدعائي الذي تمارسه إيران على الحكومة البحرينية ما يرفع مستوى الاحتقان المذهبي في البلاد.

ومن العقبات تلك، ما يرتبط بالحدود التي وقفت عندها عملية اصلاح بدأت قبل عشرة اعوام وحملت تباشير ارساء حكم يتسع لاشراك المواطنين فيه. لقد علّق معارضون ومراقبون كثر آمالا كبيرة على نجاح الإصلاحات الدستورية والسياسية في البحرين بعد اعوام من التباطؤ في معالجة الأسباب التي دفعت البلاد في النصف الأول من التسعينات الى سلسلة من الصدامات والأحداث، يتعين القول ان السلطات لم تتبنَّ الأسلوب الأنجع في تسويتها وحلها.

وقد كان واضحاً منذ النصف الثاني من العقد الماضي ان توقف الإصلاحات يترافق مع استئناف مظاهر التململ والاحتجاج بين ابناء الطائفة الشيعية حيال ما يقال عن تجنيس أجانب من أبناء المذهب السنّي بهدف تعديل التوازن الطائفي في البلاد، وعدم ايجاد حلول جدية لمشكلات البطالة والفقر وانسداد فرص الترقي الاجتماعي في وقت تعج ادارات الدولة ومؤسساتها، إلى جانب القطاع الخاص، بالموظفين الأجانب.

على الخلفية هذه تحول الاحتجاج على اعمال التمييز الى توتر سياسي لم تعد تنفع معه سياسة لجان التحقيق النزيهة والمحايدة (خصوصا أن هذا النوع من اللجان يحتاج الى ضمانات لحياده).

وليس سراً أن التظاهرات التي شهدها بعض المناطق البحرينية في الاسابيع القليلة الماضية، ورغم عدم تمكنها من انشاء بؤر لها في العاصمة على النحو الذي حصل في دوار اللؤلؤة في آذار الماضي، تعكس في واقع الأمر حضور الأزمة وبقاءها من دون تسوية سياسية تكفل وحدها اطفاء حدة التوتر وكف أصوات التحريض عن التردد في أجواء البلاد.

بكلمات أخرى، لجنة التحقيق الموعودة لن تؤدي الى طي الأزمة. ربما تنجح، في أفضل الأحوال، في تطييب الخواطر ورأب بعض الصدوع، لكن المعالجة هي سياسية في أول الأمر وفي نهايته.