سمير عطا الله


من المتفق عليه في عالم السياسات أن وزير الخارجية يمثل سياسة رئيس الدولة ووجهات نظره. ولذلك يجري غالبا تعديل الحكومات أو إعادة تشكيلها من دون أن يطال ذلك حقيبة الخارجية، لأنها رمز الاستمرارية. فوزير الطاقة قد يأتي ببرنامج جديد، ووزير الزراعة قد يأتي بخبرة جديدة، أما تغيير وزير الخارجية فقد يعني تغييرا جوهريا في سياسة الدولة، ولذا يتم تجنبه.

لم تغير مصر في هذه القاعدة، بل ثبتتها. ولو لم ترتفع شعبية عمرو موسى بين الناس ويصبح خطرا على آمال التوريث، لبقي وزيرا للخارجية حتى الآن. عرفت الخارجية المصرية تغييرات سريعة فقط مع الرئيس أنور السادات، عندما استقال إسماعيل فهمي وأعقب ذلك استقالات أخرى. وكان ذلك دليلا على مدى الخلاف بين الرئيس ووزرائه وعلى اضطراب السياسة العليا للدولة.

منذ 25 يناير (كانون الثاني) إلى الآن، غيرت مصر وزير خارجيتها مرتين. في الأولى، صدف أن الاستيداع الذي ترسل إليه الوزير عادة كان شاغرا، فأرسل الدكتور نبيل العربي إليه. وفي الحالة الثانية لم يتم العثور على كرسي تقاعد مناسب، فأرسل العربي الرقم 2 من دون بطاقة توصية بالمنصب الجديد.

يعبر ذلك عن بلبلة واضحة في سياسة مصر الخارجية منذ تنحي مبارك. وواضح أن اتجاهات كثيرة تتجاذب مصر، ما بين رغباتها الجديدة وروابطها القديمة. وربما يكون أحد الأسباب في إرسال العربي الأول إلى الجامعة، تصريحاته في شأن إيران، وأحد أسباب استقالة العربي الثاني تصريحاته في دمشق. أما المؤكد فهو أن المجلس العسكري وحكومة شرف ومعهما الأكثرية الكبرى من المصريين، في حالة بلبلة. بل سربلة. وما دام ميدان التحرير هو الذي يعين وهو الذي يقيل، سوف يظل الاستقرار بعيدا. فالميدان منقسم في وضوح، والكفة الراجحة غائبة أو مختبئة، ولا يبدو أن ثمة طابع الاستمرارية لأي قرار حكومي. فالحكومة تنقلب يوما على العهد السابق، كما حصل في إقالات رجال الأمن، ويوما على نفسها، كما حدث في المنصب الثالث بعد رئاسة الحكومة. ولماذا ليس هو المنصب الثاني كما في أميركا فلأن مصر تعطي الحقيبة رقم 2 لوزير الدفاع، منذ أيام عبد الناصر. في حين يحتل المنصب الثاني في بريطانيا وزير الخزانة.

كان عبد الحكيم عامر أقرب إلى شريك لعبد الناصر، وكان حسني مبارك نائبا للسادات، وكلف مبارك اللواء عمر سليمان بمهام معقدة لم يكن يكلفها لوزير الخارجية. وأما مصر اليوم فصنع السياسات ورسمها ضائع: المجلس العسكري مؤقت مهما طال والحكومة مؤقتة مهما عدلت. وميدان التحرير مرة مهم بمن هم فيه، ومرة أكثر أهمية بمن هم غائبون عنه. ومن أجل الشفافية الكبرى يراد الآن عرض محاكمات لرجال العهد السابق على الناس. سوف يكون في ذلك منافسة غير عادلة مع مسلسلات رمضان.