أحمد فودة


الغرب وضع تصورا لما بعد رحيل القذافي حتى لا تتكرر اخطاء العراق
انقسامات الناتو تسرع من عملية انهيار نظام القذافي يبدو أن الأزمة الليبية تقترب من نهايتها مع تسارع الانتصارات التي يحققها الثوار سواء على الجبهة الشرقية التي شهدت اختراقا كبيرا في اليومين الأخيرين حينما استطاعوا السيطرة على مدينة البريقة النفطية والتي تفتح الطريق نحو طرابلس العاصمة، أو على الجبهة الغربية التي تشهد منذ فترة تقدما كبيرا للثوار الذين باتوا على بعد حوالي 50 كيلو مترا من العاصمة بعد سيطرتهم على الجبل الغربي وطرد قوات كتائب القذافي منه.
وربما هذا هو الذي دفع العقيد القذافي إلى الخروج بأكثر من خطاب صوتي يهدد فيه الثوار وحلف الناتو بعد أن استشعر قرب نهايته مع هذه التطورات المتلاحقة التي جاءت بعد فترة من السكون المؤقت الذي أدى إلى حدوث انقسامات بين أعضاء الناتو الذين شعروا بأنه لم يتم حسم المعركة سريعا في ليبيا، خاصة مع انتهاء بنك الأهداف العسكرية والإستراتيجية التي يقوم بقصفها الحلف ضمن مناطق نفوذ العقيد معمر القذافي، والقيام بقصف بعض المؤسسات المدنية التي ظن الحلف أنها قد تمثل مخبأ للقذافي أو أحد من المقربين منه. وهو ما ترتب عليه سقوط قتلى مدنيين استطاع نظام القذافي استخدامهم في تشويه صورة مهمة الحلف التي تقوم رسميا على حماية المدنيين وليس قتلهم.
وكانت إيطاليا هي التي قادت الدعوة إلى وقف العلميات العسكرية في ليبيا من أجل وقف نزيف الدم في صفوف المدنيين وكذلك من أجل فتح ممرات إنسانية لتقديم المساعدات الإنسانية كما أعلن وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني حينها. لكن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا رفضت الدعوة الإيطالية، وأكدت على أن العملية العسكرية سوف تستمر حتى يتم تحقيق الهدف المتمثل في إسقاط نظام القذافي.
وقد عجلت هذه الانقسامات من التحرك على مستويات أخرى مختلفة غير المستوى العسكري، من أجل إنجاز الهدف بسرعة أكبر قبل اتساع هذه الانقسامات. فقامت المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال دولية بحق العقيد القذافي، ونجله سيف الإسلام، ورئيس استخباراته عبدالله السنوسي بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بناء على طلب قدمه لويس مورينو أوكامبو المدعي العام بالمحكمة، تضمن توصية بضرورة إصدار أوامر اعتقال بحق الثلاثة بتهمة quot;القتل العمدquot; للمحتجين في ليبيا، بعد أن أحال مجلس الأمن القضية للمحكمة.
وجاء قرار المحكمة ليساعد على زيادة الضغوط السياسية التي يمارسها الغرب على الدائرة القريبة من القذافي والتي تقود مفاوضات غير مباشرة مع الثوار من أجل التوصل لتسوية سياسية للأزمة لكن وفقا لمبدأ أساسي هو عدم تنحي القذافي. وهو الأمر الذي يرفضه الثوار الذي تدعم موقفهم بإصدار مذكرة الاعتقال من المحكمة، حيث لن يكون بإمكان المفاوضين في نظام القذافي الإصرار على هذا المطلب. فقد أصبح القذافي وابنه ورئيس مخابراته مطلوبين للعدالة الدولية.
كذلك وفرت هذه المعطيات الجديدة فرصة كبيرة لحلف الناتو والثوار لتحقيق هدف إنهاء نظام القذافي عبر اعتقال العقيد القذافي أو قتله وبشكل قانوني. فقد أعلن محمد إبراهيم العلاقي، وزير العدل في المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا ndash; ممثل الثوار - أن الأخير معني بتنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية لتوقيف القذافي وأن المجلس قد يشكل وحدة خاصة لتحقيق هذا الهدف.
وجاءت هذه التصريحات بعد تصريحات أطلقها مورينو أوكامبو المدعي العام بالمحكمة الجنائية بشأن الجهة المنوط بها تنفيذ أمر اعتقال القذافي وهي الثوار في بنغازي أو حتى الدائرة القريبة من القذافي في طرابلس.
اعتقال القذافي وانهيار نظام حكمه الذي بات في حكم المؤكد، دفع الدول الغربية إلى العمل على وضع تصور لما بعد رحيل الرجل، خوفا من تكرار الأخطاء التي وقعت بعد غزو العراق في عام 2003 حينما لم يكن هناك اهتمام كاف من الدول الغازية، بوضع تصور متكامل وتفصيلي لما بعد الحرب. فوقعت التخبطات والقرارات الارتجالية التي زادت من معاناة تلك القوات كثيرا.
في هذا الإطار جاءت الوثيقة التي قدمتها بريطانيا بعنوان quot;وثيقة الاستقرارquot; وحددت فيها خمس أولويات بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار بين النظام الليبي والثوار. وتمتد تلك الأولويات من منع أعمال النهب والهجمات الانتقامية إلى توفير الخدمات الأساسية وتأمين معلومات واتصالات فاعلة ليعرف المواطنون الليبيون ما يجري في فترة سيكون الالتباس والتشوش عنوانها.
وسيكون للولايات المتحدة وبريطانيا والأمم المتحدة دور قوي في التسوية السياسية ما بعد القذافي، خاصة ما يتعلق بقضايا الأمن والعدالة، كما ستسهم تركيا والأمم المتحدة في توفير الخدمات الأساسية. وعلى هذا الأساس يجري نقاش الآن بشأن إرسال قوة كبيرة لحفظ السلام، من المتوقع أن تقوم تركيا بدور أساسي فيها.
والسؤال الذي يطرح نفسه: أين الدول العربية من تلك التطورات؟ وأين جامعة الدول العربية؟ بل وأين مصر التي تعد ليبيا امتدادا طبيعيا لأمنها القومي المباشر؟ هل ستترك الغرب وتركيا لتمارس وصايتها في تحديد مستقبل ليبيا؟
لو حدث ذلك فستكون كارثة كبرى أخرى تضاف لكارثة انقسام السودان. وستصبح مصر حينها محاطة بالأعداء من كل اتجاه: إسرائيل في الشمال والدولة السودانية الجديدة التابعة للغرب في الجنوب وليبيا الجديدة التابعة هي الأخرى أيضا في الغرب.