مأمون فندي
هل سيكون شهر رمضان هذا العام هو شهر البث التجريبي للدولة الدينية في مصر؟ البث التجريبي هو عندما تبدأ الفضائيات بثا تجريبيا قبل أن تنطلق بصورتها النهائية للمشاهدين، وهذا على ما يبدو ما ترتب له الجماعات الدينية في مصر في شهر رمضان، حيث تكون مسألة الجهر بالإفطار، مثلا، سببا مباشرا للاحتكاك بين الجماعات الدينية والناس بهدف فرض السيطرة والإعلان أمام الملأ عن شرعية من يملك الشارع ويفرض قانونه عليه، وتكون تلك هي النقطة الفارقة لنجاح البث التجريبي أو لفشل مشروع الدولة الدينية في مصر. في مجتمع يصل فيه عدد غير المسلمين من أقباط مصر إلى نسبة تتراوح ما بين 10 و15 في المائة، لا بد أن يكون هناك مفطر في الشارع من الأقباط، ساعتها ستنهال عليه الجماعات الإسلامية ضربا ثم يكتشفون أنه مسيحي بعد أن يشبعوه ضربا. وربما يعرفون أنه مسيحي منذ البداية، ولكنهم يريدون أن يجعلوا منه عبرة، كما كانت تفعل الجماعة الإسلامية في أسيوط في نهاية سبعينات القرن الماضي. المشهد أيامها في أسيوط كان يختلف من منطقة إلى أخرى، ففي الوليدية، حيث كانت تسيطر الجماعة الإسلامية، كان المواطنون إما يشاركون في الضرب وإما في توبيخ المفطر، وبذلك كانت الوليدية إمارة إسلامية تحت سيطرة ناجح إبراهيم وعاصم عبد الماجد، على غرار إمبابة في أوائل التسعينات من القرن الماضي أيضا. ظني أن الجماعات السلفية والجماعة الإسلامية وlaquo;الإخوانraquo; لن يترددوا في استخدام رمضان، وخصوصا في موضوع ضرب المفطرين ونهرهم حتى لو كانوا من المسيحيين، بدافع فرض السيطرة على الشارع واستعراض العضلات. وهذا سيكون امتحانا للشعب والشرطة والجيش مجتمعين. فلو تخيلنا مشهدا تقوم فيه جماعة من هؤلاء بضرب مواطن في الشارع لأنه مفطر، فإن هذا المشهد ستترتب عليه عدة احتمالات من ردود الفعل، وهي التي سوف تحدد لنا ملامح المشهد القادم. الاحتمال الأول أن يقبل المارة أو المتفرجون هذا المشهد، أو أن يشارك بعضهم في الضرب، فهذا مؤشر على أن الشارع ليست لديه القدرة على مواجهة البلطجة باسم الدين، بل على العكس لديه مخزون من الخوف من الجماعات مما يجعله إما مشاركا سلبيا ومشاهدا للضرب من دون أن يقول كلمة حق، وإما أنه مشارك إيجابي بنفسه في عملية الضرب نيابة عن الدولة الدينية. الاحتمال الآخر وهو المصيبة، أن يكون هناك عسكري من الجيش أو من الشرطة ولم يقم بواجبه في فض المنازعات وانحاز إلى فرض عدم تناول الطعام أو الشراب في العلن في شهر رمضان، فهذا سيكون المؤشر الأخير الذي تنحاز فيه قوى الأمن إلى التيار الديني. حتى هذه اللحظة، لا نعرف هل سيحدث هذا أم لا، ولكن كل المؤشرات تقول بذلك.
واضح لمن تابع تطورات ميدان التحرير، أمس (الجمعة)، أن القوى الدينية تسيطر على مداخل ومخارج الميدان، وهم الذين ينظمون حركة البشر فيه، مما يوحي بأن الميدان قد تدين تماما في هذه الجمعة. ولكن ليست الأمور بهذه البساطة، فتناقض الدولة الدينية يبدأ من الميدان، وسوف ينتهي به أيضا. ولتوضيح الصورة لمن لا يعرفون مصر، ففي قلب ميدان التحرير يقف مسجد عمر مكرم، وهو مسجد تاريخي يحمل اسم أهم رموز الثورات المصرية، وهو الشريف عمر مكرم، وحتى وقت قريب كانت تنطلق جنازات أهم شخصيات المجتمع من هذا المسجد، ولكن المسجد اليوم يبدو معزولا، فالصلاة وخطبة الجمعة تقامان في الميدان وليس في المسجد. والسؤال هنا، هل أضفت الثورة على الميدان قدسية وشرعية تبدو للمراقب أنها أهم وأعلى من قدسية المسجد ذاته، بمعنى أن الثورة تبنت مشروع تقديس الميادين العامة في رمزية التحرير على حساب المساجد؟ إن كان الأمر كذلك فنحن أمام حالة جديدة من التديين والتقديس والشرعية، يكون الميدان فاز فيها على المسجد في الصراع الديني والدنيوي في مصر. وأن وجود الإسلاميين في الميدان اليوم ليس مؤشرا لظهور الدولة الدينية، بل هو محاولة لاهثة من أجل صبغ الميدان بصبغة دينية بعد أن تم عزل المسجد في صلاة الجمعة لتقام الصلاة والخطبة في الميدان.
في مقالات سابقة، وقبل الثورة، طرحت سؤالا يخص صلاة المصريين في أيام الجمعة في الشوارع الملاصقة للمساجد، حيث لم تكن المساجد تتسع للمصلين. وقلت يومها، هل المسجد يخر في الشارع أم أن الشارع يخر في الجامع؟ وهل مساحة المقدس تتسع فتشمل الشارع، أم أن laquo;الشورعةraquo; تزداد لتشمل الجامع؟ وقلت يومها إن خطابات الشيخ كشك التي كانت تتخذ من أغاني أم كلثوم مثل laquo;خدني في حنانك خدنيraquo; أو laquo;إني أتنفس تحت الماءraquo; لعبد الحليم حافظ، مادة لخطبة في أيام الجمعة، هي مؤشرات على أن المسجد قد تشورع، وفكرة أن المقدس هو الذي يتمدد في الشارع تصبح ضربا من الخيال هنا.
اليوم في ميدان التحرير نرى حالة الالتباس ذاتها، هل الثورة هي التي أضفت القدسية على الميدان حتى أقيمت فيه الصلاة على حساب المسجد الملاصق، أم أن الجماعات الدينية لم تكتف بالصلاة في المسجد، وفرضت الصلاة في كل الساحات المفتوحة في الوطن.. وهذا ما أقصده بالبث التجريبي للدولة الدينية. لنر ما سوف يحدث في رمضان في مصر ونراقبه، لنعرف هل أننا أمام البث التجريبي للدولة الدينية، أم أننا أمام مصريين ثوريين حقا يعلنون أن الدين لله والوطن للجميع.
التعليقات