عبد الوهاب بدرخان

ما الأسوأ من أن يتعرض شعب للمجاعة؟ أن يكون quot;الشبابquot; مسيطرين على المنطقة الأغنى زراعياً في الصومال، لكن الجفاف ضربها، فتفاقمت الحال المعيشية وراح الأطفال يموتون بالآلاف. وما الأسوأ من تلكؤ المجتمع الدولي في تقديم المساعدة؟ أن يضع quot;الشبابquot; أيديهم على المساعدات لمصلحة مجهودهم الحربي في إطار quot;تنظيم القاعدةquot;. هذا ما يمكن أن يسمى تعفن البلد، بعد تفككه وتفتته وزوال الدولة ومختلف عناصرها فيه.


المشكلة أن هذا quot;العنفquot; تحول خلال العقدين الماضيين من مصائب للصومال والصوماليين إلى فوائد للعديد من الأقوام المجاورين، إذ أن quot;بزنس المآسيquot; قد يعالج مآسي الآخرين، وقد يحقق أحلام بعض المنتفعين الذين لم تكن المساعدات موجهة إليهم أساساً. كان انهيار الدولة في الصومال قد تزامن مع انفصام أثيوبيا وأريتريا، فما أن وقعت البقرة الحلوب حتى راحتا تترعان منها. وعندما طال سقوطها وغرقت في فوضاها حتى دخلت كينيا وأوغندا ودول أخرى على الخط لتحصيل المكاسب. أصبحت فضائح الفساد في شراء المساعدات وتوزيعها وإعادة بيعها أكبر من أن تخفى على العيون. ثمة أفراد هنا وهناك تملينوا دولارات، وثمة أفواه جائعة لم يصلها أود وتوجر بقوتها في أسواق الشفقة.

قبل أسبوع أعلنت الأمم المتحدة رسمياً وجود مجاعة في بعض أنحاء الصومال، لكنها لم تستطع أن تجمع الأموال التي تحتاجها لمواجهة هذه الأزمة خلال الشهور المقبلة. فما العمل مع بلد وقع رهينة quot;أمراءquot; الحرب والسياسة وقراصنة البر والبحر وشيوخ الحركات الإسلامية المراوحة بين quot;اعتدالquot; وquot;تطرفquot;. فهؤلاء، أبناء البلد والشعب، غير مبالين بموت عشرات الآلاف، وبأن الوضع سيزداد سوءاً، تحديداً بسبب تهورهم. لا تهزهم نداءات بان كي مون، ولا استغاثات أطباء مخيمات اللاجئين، ولا دموع الأمهات المرتحلات مع أطفالهن سعياً إلى بقاء غير مضمون وربما غير مجد.

المانحون لديهم بعض الاستعداد الطيب، لكن ثمة إشكالاً. إذ لا مجال لمواجهة المجاعة ومساعدة الناس من دون مساعدة quot;حركة الشبابquot;. وماذا يفعل quot;الشبابquot; لمساعدة أهلهم؟ إنهم يبتزون العالم الذي يتحرك مدفوعاً بالواجب الإنساني، أما هم، فيصدون له عملاً بالواجب quot;القاعديquot;. يدّعون أنهم هناك لإقامة quot;الحكم الإسلاميquot;، وهو لا حكم ولا إسلامي. إن هم سوى عصابات مسلحة أعماها هوس السلطة فاستثمرت الفوضى وسيلة للسيطرة. كانوا أشبه بجسم واحد استطاع أن يملأ بعض الفراغ الذي خلفه انهيار الدولة، وأن يحلّ للناس بعض المشاكل. كان اسمه quot;المحاكمquot; ويستمد شرعيته من التفاف الصوماليين حوله. لم يكن quot;سلطةquot; بل رفض كل سلطة أقيمت في مقديشو بمساهمة القوى الخارجية. وعندما أصبح سلطة راح يتشرذم بين بقايا quot;محاكمquot; وquot;حزب إسلاميquot; وquot;حركة شبابquot; تقيم كل منها علاقاتها الخارجية وتتعاير في ما بينها بسبب ارتباطاتها تلك. لم يعد يوحدها سوى فشلها جميعاً في إعادة إنهاض الدولة من أنقاضها. فلا الشيخ شريف شيخ أحمد ولا الشيخ حسن الطاهر أويس ولا الشيخ quot;أبوزبيرquot; نجحوا في نقل الصوماليين من مخيمات اللاجئين إلى بيوتهم وبلداتهم.

يقول الخبراء إنه حيثما تفرض الحاجة إلى المساعدة نفسها، لابد من المرور بـquot;المستفيدينquot; من المساعدات. حدث ذلك في كل مكان، في أفريقيا كما في فيتنام وكمبوديا وهايتي، كما في فلسطين ولبنان والصحراء الغربية. إنها أشبه بضريبة المرور. وفي مختلف الأنحاء أبدت سلطات الأمر الواقع توجسها من أن تكون الدوافع الإنسانية تغطية لـquot;المؤامرات الخارجيةquot;، تماماً كما ارتاب quot;الشبابquot; الذين اتهموا الأمم المتحدة بتضخيم أمر المجاعة، وكونهم إسلاميين لم يساعدهم في الاختلاف عن علمانيين أو كفار في مكان آخر، لم يشحذ في نفوسهم أي رحمة خاصة ببني قومهم ودينهم.

من يتحمل المسؤولية في الصومال؟ لا أحد، على الأرجح، فلا الحكومة ولا حُماتها الأفارقة، ولا خصومها حلفاء الأمس، ولا القوى الإقليمية أو الدولية، لديهم تصور أو إرادة لعودة هذه الدولة كي ترعى شؤون شعبها وتتحلى بشيء من الكرامة للحؤول دون حلول ذاك quot;العارquot;، الذي يسمى مجاعة. لكن حكام الأمر الواقع يدفعون بالشعب إلى مخيم quot;دادابquot; الكيني ومخيم quot;دولوquot; الإثيوبي مترقبين ما يمكن أن يعتبرونه مغانم.

عبدالوهاب بدرخان