مبارك الذروه


وأنا أتابع السجال الإعلامي مع الجار العراقي في موضوع ميناء مبارك، تذكرت قصة زميل قديم أراد فتح مطعم في منطقة خيطان، وكان أهالي المنطقة من الهنود والبنغالية وبعض الفلبينيين المحيطين بالمطعم، يحاولون شراءه من زميلنا الذي رفض ذلك قطعيا ًبحجة laquo;أنا أولى بمقابل حلاليraquo;... ومع اصراره على موقفه الجامد تركوه وشأنه مع حلاله الذي تعفنت خضرته وتأكسدت رائحة عصيره، فتكدست عليه الديون والأقساط، فهرب عمال المطعم جزعاً، واضطر أخيراً إلى الخضوع لإرادة جيرانه البنغالية والهنود، فضمنه لهم بثمن بخس! وبعد أقل من شهر يقول مررت عليه من بعيد وإذا هو مليء بالحركة والنشاط ولا يغلق له باب، حيث كان رواده وزبائنه سكان الحي من البنغالية والهنود حفظهم الله!
فسقطت دمعة من عيني وقلت ما زال الكويتيون يعيشون غرباء!
لدينا طرفا نقيض في مسألة الميناء فهناك رأي نيابي تزعمه النائب بورمية يطالب بسحب سفيرنا وطرد السفير العراقي وهذا رأي من الناحية الإجرائية مرفوض ولا يستحق المناقشة لسذاجته، وإن كان من الناحية السياسية يفش الخلق ويحمر العين!
وهناك رأي مناقض تماماً يرفض في الاصل فكرة الميناء، فتساؤل النائب الطبطبائي جداً منطقي؛ فإذا كان العراق وإيران لا يرحبان اليوم بموقع ميناء مبارك فهل سيتحقق الهدف من وجود الميناء وهو تنشيط التجارة مع دول الجوار وغيرهما؟
ما يؤكد أن موقع ميناء مبارك غير مناسب فنياً وأمنياً!
ثم لندع العواطف ولغة التهييج جانباً ونتساءل... أليس من حق الجار العراقي أن يطمئن على حقه في المياه وأن المساحة البحرية وحركة سفنه لا تتأثر بمينائنا؟
عندما لا نفكر استراتيجياً ونفهم ما يعانيه الآخر ونصبح أسرى لغة المؤامرة بأن العراقيين هم صنف واحد وفئة واحدة تريد التهام الكويت فإننا بذلك نكون ضحايا عقلية أحادية هشة غير قادرة على الحوار والاقناع بجدوى مشاريعنا الخارجية من أجل كسب أعظم وأكبر يفهمه اللاعب والمفاوض في الإقليم الخليجي!
بمعنى آخر فقد مرت المنطقة بظروف مشابهة تتعلق كثيرا بمشكلة المياه، وتاريخيا كانت مسألة شط العرب هاجسا أدى الى اشتعال حرب بين العراق وإيران بعد اتفاقية الجزائر عام 75. لا يعني كلامي رفض المشروعات الحيوية آو الدعوة الى ذلك... كلا، ولكن تصريح وزير الدولة علي الراشد بأن ميناء مبارك لا يعيق الملاحة العراقية، ولن ترهبنا أي تصريحات، يوكد أن ثمة امراً لا نراه!
وما دام ميناؤنا لا يعيق الجار العراقي، فعلينا ان نكون جاهزين لتسوية الموضوع دون تشنج ولاقناع القاضي والحكم، فمثلا لابد أن يوضح لنا الخبير البيئي مثلا أن لا مشكلات تلوث مقبلة من الميناء، أو انجراف العمق البحري وتأثيرات سلبية على البيئة البحرية، أو تدمير محاضن الثروة السمكية، وطمأنة الجار على سلامة الملاحة والمياه، وأن الحقبة المقبلة ستكون هناك مشاريع شراكة تخدم المنطقة ككل.
فالكل يعرف ما للملاحة من أهمية في الانفتاح على العالم ونقل التجارة والبترول وتبادل البضائع واستراحة السفن والبواخر، والانطلاق نحو الشرق القديم. وعلى الرغم من ذلك ألم يكن واجبا على اهل الاختصاص دراسة المشروع وجدواه اقتصاديا وسياسيا وبيئيا مع دول الجوار وتوقع استفزاز الدول المحيطة، وما الاحترازات او الإجراءات الواجب القيام بها تجاه ذلك، وما البدائل فيما لو الغي هذا الموقع باتفاق بين أطراف عدة، وما الخسائر المالية والنفسية التي سنتعرض لها، ومن المسؤول عن ذلك؟
كل هذه الاستفهامات جزء من هاجس المواطن الكويتي وهو يرى حجم الإزعاج المحيط بالكويت!
اليوم المشروع تجاوز 20 في المئة وقد قرأنا أخبارا عن حشد قوات كويتية في الموقع بالاضافة الى ابراج المراقبة، ما يؤكد ان المشروع لم تكتمل دراسته الأمنية والبيئية، والعراقيون أخوة وجيران لنا شئنا ام أبينا وهو قدرنا الذي لا مفر منه... والنزاع في ذلك مشاهد ومعروف في كثير من دول العالم فليلجأ الجار العراقي الى منظمات النزاع الدولية، أما نحن فعلينا حقا إعادة النظر في جدوى موقع الميناء الذي سيحاول الجيران افشاله حتى وان كان له أبعاد واهداف اخرى!
فقد الغت بعض دول العالم مشاريع حيوية كمشروع المفاعل النووي في المانيا والأردن والصين، ولجأت الى بدائل مقنعة وجيدة كالطاقة الشمسية ذات الكلفة الاقتصادية الاقل. وليس في التراجع عيب ما دامت الخسائر واضحة المعالم والبدائل كثيرة والأمر ذاته غير ضروري وملح. نعم قد يكون للتصعيد الإعلامي من خلال التصريحات السياسية تهييج غير مبرر ويثير حفيظة النفس الكويتية التي لا تزال تتذكر الغدر العراقي الاثم... خصوصا مع ذكرى الغزو المؤلم في الثاني من اغسطس.
علينا ان نعيد النظر جديا في الموقع بل في جدوى المشروع ولا نخرج من هذا الملف دون مكاسب. لا نريد أن نتمسك بالميناء كردة فعل على التدخل العراقي باسم الفروسية العربية، واثبات اننا قادرون على حماية سيادتنا من العبث العراقي، أو لأن هيونداي عزيزة علينا! بل نريد ان نتمسك بالمشروع بقناعة جدواه وفائدته الاستراتيجية للعقود المقبلة، باختصار... لتتصرف بحكمة وموضوعية.