حسن عبدالله جوهر وراجح الخوري وعلي حماده : رسالة إلى الأسد .. الخيارات القاتلة والموقف العربي

سوريhellip; يا نظام !

حسن عبدالله جوهر
الجريدة الكويتية
النظام السوري كسائر الأنظمة العربية التي مستها أمواج التغيير لم يستوعب الدرس ولم يقرأ الحاضر وليس فقط التاريخ، فغرق في الأخطاء القاتلة نفسها التي ارتكبتها حكومات مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين فأوصلت العلاقة بينها وبين شعوبها أو قطاعات واسعة جداً منها إلى نقطة اللاعودة.
التفاعل الشعبي مع قضايا الأمة العربية ليس بغريب على المجتمع الكويتي حتى قبل مرحلة الاستقلال، خصوصاً إذا كانت ذات علاقة مباشرة بمصير الشعوب ومطالبتها بالحريات السياسية والدعوة إلى التغيير والمشاركة الحقيقية في صنع القرار ورسم مستقبلها.
ومن الناحية المبدئية فإن ما ينطبق على مجمل الحالة العربية الراهنة في ظل الحراك الشعبي المتوقد وما يعرف بربيع الشعوب يسري على الوضع المحزن والدامي في سورية، حيث استبدلت لغة الحوار والخطوات الجادة من أجل الإصلاح إلى لغة القتل وإراقة الدماء وما سيعقب ذلك من كل أشكال الدمار على كل الصعد.
والنظام السوري كسائر الأنظمة العربية التي مستها أمواج التغيير لم يستوعب الدرس ولم يقرأ الحاضر وليس فقط التاريخ، فغرق في الأخطاء القاتلة نفسها التي ارتكبتها حكومات مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين فأوصلت العلاقة بينها وبين شعوبها أو قطاعات واسعة جداً منها إلى نقطة اللاعودة، ولم يعد تاريخ الصمود والمقاومة ضد إسرائيل ولا القومية العربية وغيرتها شفيعة لإنقاذ النظام، ولهذا فقد بدأ الخناق يضيق عليه وسط التركيز الإعلامي المكثف وتحرك القوى الإقليمية والعالمية، كل ذلك بسبب التلكؤ والتردد في امتصاص المد الشعبي والرهان على الوقت دون اتخاذ قرارات جذرية وحقيقية وفورية وتضحيات سياسية من أجل ولادة جديدة لنموذج تعددي كان ليحظى بترحيب غير مسبوق، وهذا مع الأسف الشديد ديدن الكثير من الأنظمة العربية التي تقود شعوبها دائماً إلى مستقبل مجهول لا يعرف فيه سوى الدمار والتخلف وتراكم المشاكل والبدء من الصفر على أنقاض الماضي التعيس.
ولهذا، فإن موقفنا من الأحداث الدامية في سورية منذ اليوم الأول ما كان ليختلف عن مثيلاتها من الحراك الشعبي المنطلق من تونس ومصر ومن بعدهما اليمن وليبيا ومروراً بالبحرين والمتمثل بعدم وجود خيار آخر غير الوقوف مع مطالب الشعوب، وكتبنا مع بدايات الثورة التونسية بأن المنطقة العربية باتت البقعة الوحيدة في هذا العالم المستمرة في ظل أنظمة سلطوية ونماذج الحكم الفردي، التي ستجرفها رياح التغيير عاجلاً أم آجلاً، وسوف لا تميز هذه الرياح أياً من هذه الأنظمة مهما كانت مسافات الرضا عنها سياسياً أو إيديولوجياً أو تبعاً لميول مذهبية أو بناءً على مصالح ومعادلات إقليمية ورهانات دولية تعيش مرحلة انتقالية غير مستقرة.
ومن هذا المنطلق كنا ندعو ولا نزال بأن يكون التفاعل الشعبي الكويتي مع قضايا أشقائنا وآلامهم وطموحاتهم من المحيط إلى الخليج ثابتاً ومبدئياً وأن تكون الثقافة السياسية الكويتية مظلة واحدة للدفاع عن كل مظلوم وكل من ينادي بالديمقراطية والحرية والكرامة، وأن تكون شوكة في عين كل نظام قمعي ودموي، لأن القادم من الأيام هو عصر الشعوب، خصوصاً الأجيال اليافعة منهم المنتظر منهم رسم مستقبل هذه المنطقة المنكوبة لعقود قادمة من الزمن، مع خالص دعائنا لهم بالتوفيق ولو لمرة واحدة بعد الانتكاسات المتتالية على مدى مئات السنين!
رسالة ثانية إلى بشار الأسد
راجح الخوري
النهر اللبنانية
ليس خافياً على احد ان الاحزان والدماء والمآسي، التي تُغرق سوريا من درعا الى حماه مروراً بكل المدن التي دخلتها النار والمجنزرات، قد فاضت الآن لتثير استنكار دول العالم، ولكن ليس سراً ان هذا العالم لا يرغب لك يا سيادة الرئيس ولا لسوريا في quot;مصير حزينquot; على ما حذرك منه دميتري ميدفيديف.
على حافة طوفان المأساة المتنقلة بين المدن السورية، لم يعد مفيداً قولك: quot;إن التعامل مع الخارجين على القانون واجب الدولةquot;. أولاً لأن هذا التعامل وما ينطوي عليه من قوة، يتم ضد مواطنيك سكان المدن السورية، وليس كل سكانها من الخارجين على القانون. وثانياً لأن واجب الدولة ايضاً الاستماع الى الدول الأخرى، وخصوصاً مناشدات الزعماء والقادة الاصدقاء، التي تدعوك الى وقف دورة العنف والذهاب الى اجراء الاصلاحات الضرورية واطلاق الحريات، وهو ما أردته أنت في بداية عهدك ولم تتمكن ربما بسبب تعنّت quot;الحرس القديمquot;، على ما يقال.
ان الايغال في القمع العنيف وسفك الدماء، يقطع على نظامك كل خطوط الرجعة، وليس هناك في الواقع من يريد لغبار المجنزرات الراكضة وراء الناس، أن يعكّر عليك هدأة الاستماع والتأمل في مناشدات أصدقائك الذين لا يريدون لسوريا الانزلاق مثلاً الى الحال المأسوية الليبية الراهنة، فعلى حافة الاندفاع المتزايد الى quot;المصير الحزينquot;، تستطيع ان تلمس رهاناً مستمراً عليك شخصياً، لانتشال سوريا من المأساة ومن حمام الدم الذي تنزلق إليه.
إن رسالة خادم الحرمين الشريفين المطالبة بوقف quot;ما لا تقبله السعودية ويرفضه العالم كلهquot;، أي استمرار آلة القتل وإراقة الدماء، دعت القيادة السورية (أي أنها دعتك أنت شخصياً) الى quot;تفعيل اصلاحات شاملة وسريعة، فمستقبل سوريا بين خيارين، إما أن تختار بإرادتها الحكمة، وإما ان تنجرف الى أعماق الفوضى والضياع لا سمح اللهquot;.
ليس خافياً عليك أن الملك عبد الله، عندما يدعو الى quot;تفعيل الحكمة وتحكيم العقل لدى القيادة السورية للقيام بدورها التاريخي والقيام باصلاحات لا تغلّفها الوعود، quot;فإنه يخاطبك أنت شخصياً ويعوّل عليك لا على أحد غيرك في النظام السوري، ولطالما احتفظ لك كما تعرف بمودة حميمة على رغم كل شيء.
ليس هناك في الخارج من يدعو الى قلب نظامك حتى الآن. أميركا تدعوك تكراراً الى سحب الجيش والمباشرة في الاصلاح، وسفيرها يقول إن أخطر سلاح وجده لدى المتظاهرين في حماه هو المقلاع. دول مجلس التعاون الخليجي دعتك الى وقف العنف والقيام بالاصلاح. لكن لم يكن ضرورياً خروج صوت دمشقي يرد مهدداً الخليجيين بتحريك الأقليات الشيعية في بلدانهم!
السيد الرئيس، بيان مجلس الأمن ليس عابراً. موقف موسكو المستجد ليس سهلاً. ما يحمله لك أحمد داود أوغلو اليوم جدياً جداً. وليس من يريد لسوريا الفوضى القاتلة، لكن ليس من يمنعها غيرك أنت... فهل تقدر؟!
الأسد والخيارات القاتلة !
علي حماده
النهار اللبنانية
في أقل من أسبوع تحرّكت الماكينة الدولية ndash; الإقليمية بعدما كانت شبه غائبة عن المجزرة في سوريا. ففي سلسلة متعاقبة من المواقف التف الحبل حول رقبة النظام في سوريا: من الموقف الاوروبي المتدرج صعوداً، الى الموقف الاميركي الذي كاد ان يصبح يوميا، فالموقف الروسي المفاجئ عبر تحذير بعيد الاهمية وجهه الرئيس ديميتري مدفيديف الى الاسد الابن بأن يخشى ان تكون نهايته quot;حزينةquot;، فالبيان الرئاسي لمجلس الامن الذي اجمع عليه اربعة عشر عضوا من اصل خمسة عشر، وغاب quot;لبنان المستعمَرةquot;، وصولا الى الموقف الخليجي ممثِّلا الدول الست الاعضاء في مجلس التعاون، والموقف التركي الاخير الذي عبر عنه رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان قائلا ان صبر تركيا نفد وانه سيرسل وزير خارجيته الى دمشق حاملا رسالة نهائية وحازمة، واخيرا وليس آخرا اتى خطاب العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز المفصلي الموجه الى سوريا وفيه دق جرس الانذار العربي معتبرا ان المملكة لا يمكنها ان تقبل بما يحصل في سوريا. ولم تمر ساعات حتى كان موقف للامين العام للجامعة العربية الجديد نبيل العربي يمسح فيه عار تصريحه خلال زيارته الاخيرة لدمشق، ومن ثم ما ادلى به شيخ الأزهر ان ما يحصل في سوريا يجب ان يوضع له حد!
هكذا وفي بضعة أيام، تزاحمت المواقف الدولية الاقليمية والعربية على ابواب سوريا لتفتح الباب واسعا امام حركة خارجية يبدو انه يتم بناؤها بتؤدة لمحاصرة النظام في سوريا، بعدما فقد العالم الامل بـquot;حكمةquot; الاسد الابن الذي لم يتورع في الاسابيع الاخيرة عن رفع وتيرة القتل في شعبه الى درجة توجيه الدبابات لاقتحام المدن الآمنة والمسالمة، في محاولة لسحق الثورة السلمية واستعادة زمام الامور في البلاد. وقد فات الاسد الابن ان ما كان يصح سنة 1982 عندما ذبح والده مدينة حماه، ما عاد يصح سنة 2011. وفاته ان القتل يجر الغضب والحقد اللذين يغذيان الثورة اكثر فأكثر. وبالتالي فإن قتل اكثر من ألفي مواطن بينهم اطفال ونساء وشيوخ، وكلهم من المدنيين العزل، لن يمكّنه من السيطرة على البلاد. ففي الحقيقة تبدو سوريا اليوم، بالرغم من صورة الاجتياحات العسكرية للمدن كأنها افلتت تماما من قبضة النظام. ويبدو الاسد الابن اقرب الى رئيس راحل اكثر منه الى رئيس يمسك بالسلطة في بلاده. فاستخدام القوة المسلحة وإعمال القتل في المدنيين بلا هوادة انهيا النظام وانهيا معه ارث حافظ الاسد. وبعد سقوط شرعيته الشعبية في الداخل اتى دور شرعيته في الخارج، فالعالم يهم بإقفال آخر ابوابه بوجه الاسد الابن، ليفتح معه باب الخيارات المؤلمة حيال نظام صار من الماضي.
ان خيارات بشار الاسد محدودة جدا. امامه خيار وقف القتل والتنحي مع العائلة والمعاونين، او مواصلة القتل ليلقى نهاية quot;حزينةquot; له بالطبع ndash; على ما تنبأ له ديميتري مدفيديف. وفي كلتا الحالتين فإن حافظ الاسد مات، وجمهوريته الستالينية تُدفن اليوم بسواعد السوريين الاحرار: بآلامهم، ودموعهم، ودمائهم...