ياسر الزعاترة

يوما فيوما تزداد خسارة إيران في الوعي الجمعي لأمة العرب والمسلمين، بخاصة السنة منهم، فهذا استطلاع أجراه الباحث العربي الأميركي جيمس زعبي في عدد من الدول العربية يؤكد هذا البعد، باستثناء لبنان، مع تغييب الاستطلاع للبحرين (أكيد أن وضع إيران فيها جيد بسبب الغالبية الشيعية)، أما سوريا التي لم يشملها الاستطلاع أيضا فيعتقد أن سمعة إيران فيها قد تدهورت حتى الحضيض في أوساط الغالبية السنية بعد موقفها من الانتفاضة الشعبية.
بعيدا عن الأرقام ذات الدلالة الواضحة من حيث الفارق بين دول الخليج وسواها، فإن الجانب الإيجابي في نتائج الاستطلاع الذي لم يفاجئنا بحال هو أن النظرة السلبية للولايات المتحدة لا تزال أكبر من النظرة لإيران، فيما كانت النظرة لتركيا إيجابية إلى حد كبير، وهو أمر متوقع بالطبع، بسبب مواقف حكومة العدالة والتنمية خلال السنوات الأخيرة، مع أنها مواقف كانت ولا تزال تراوح كثيرا بين المبادئ والمصالح، مع انحياز أكبر للمصالح.
ثمة أسباب عديدة لهذا التدهور في الموقف الشعبي العربي من إيران، بعضه محق ومنطقي، فيما يبدو البعض الآخر نتاج حشد تحركه سياسات بعض دول الخليج المعنية بتصعيد العداء لإيران من أجل دفع الشارع إلى تجاهل فكرة الإصلاح، على اعتبار أن ثمة خطرا داهما آخر يستحق المواجهة، ولا شك أن للتوجهات السلفية التي يرتبط بعضها بدوائر السياسية دورا في هذا السياق، التي تعتبر مواجهة المد الصفوي الرافضي -بحسب تعبيرها- أولوية لا تتقدم عليها أية أولوية، بينما لا يجد بعض هذا الخطاب حرجا في القول إن هناك تحالفا سريا بين الطرفين ضد أمة السنة!!
منذ احتلال العراق والموقف من إيران يسير في اتجاه سلبي. وفي حين كان الموقف من حزب الله (رغم تحالفه الاستراتيجي مع إيران) جيدا إلى حد ما بسبب بطولاته في مقارعة العدو الصهيوني، بيد أن الوضع لم يلبث أن أخذ في التغير بعد انحياز الحزب السافر (بخاصة زعيمه نصر الله) للنظام السوري في معركة قمعه للانتفاضة الشعبية، وهو انحياز يأتي نتاج التحالف الاستراتيجي مع النظام من جهة، في ذات الوقت الذي يأتي نتاج أوامر إيرانية من جهة أخرى.
في السياق العراقي كان الموقف الإيراني سافرا في نوايا وضع البلد رهن التبعية الثقافية والسياسية والاقتصادية لإيران، في تجاهل تام لحقيقة أن البلد لا يمكن أن يستقر من دون تفاهم أركانه الثلاثة (العرب السنة والأكراد والشيعة، حتى لو وافقنا على مقولة أن الشيعة يشكلون ما يقرب من نصف السكان).
العداء العراقي السني لإيران انسحب بالتدريج على ما تبقى من الشارع العربي، فيما كانت حساسيات أخرى تلوح في الأفق نتج بعضها عن رعونة إيرانية جاءت بدورها بسبب غرور القوة الذي أصابها بعد التطورات اللبنانية والعراقية وصعود الحراك الشيعي في الخليج. ونعني بذلك تحديدا بعض جهود التشييع السخيفة التي قام بها بعض الإيرانيين ومن تبعهم من العرب هنا وهناك على نحو استفز الغالبية السنية.
مؤخرا سمعنا شيخ الأزهر (وهو رجل يتلمس مواقفه بعناية في أكثر الأحيان) يقول صراحة لوفد من حزب الله وإيران إن مسألة التبشير الشيعي في مناطق السنة مرفوضة، مع أن ذلك التبشير لو سُمح به لما زاد الموقف إلا سلبية حيال إيران، ولو صح أن لدى المبشرين الشيعة (إن جاز التعبير) قدرة على إقناع السنة بمقولاتهم، لتشيع سنة إيران الخاضعين بدورهم لدولة قوية. ونتذكر قبل عامين غضبة الشيخ يوسف القرضاوي بسبب هذه القضية. وقناعتي الشخصية أنه لو فتح هذا الباب على مصراعيه من الطرفين، لكانت النتيجة عكسية؛ لأن مقولات المذهب الشيعي ليست قابلة للترويج في أوساط من لم يأخذوها بالوراثة نظرا لطبيعتها الأسطورية، بخاصة مسألة الأئمة والوراثة والإمام الغائب، واعتبارها محور الدين وليست من هوامشه كما ينبغي أن تكون.
اليوم يأتي الموقف من الانتفاضة السورية ليشكل عنصر تحريض أكبر على إيران، وسيزداد الموقف سوءا عندما يعلم الناس أن الدعم الإيراني لحماس مثلا قد توقف عمليا بسبب رفضها الانحياز للنظام في قمعه للانتفاضة الشعبية، الأمر الذي قد يتغير لاحقا تبعا للتطورات في المنطقة.
من المؤكد أن هذه الخسائر الشعبية الإيرانية في الوسط العربي والإسلامي السني لن تكون في صالحها، لا على المدى القريب ولا المتوسط والبعيد، وهي في حاجة لترميم علاقتها بهذا الوسط، وخير لها أن تراهن على أن تكون جارة قوية ومحترمة ومحبوبة، لها قواسم مشتركة مع أبناء الأمة الآخرين، على أن تغامر بالإصرار على دور أكبر من حجمها لن تحصل عليه بأي حال.
التعاون العربي-التركي-الإيراني هو الحل لهذه المعضلة بعيدا عن تصعيد الحساسيات المذهبية التي تضر الجميع، ولا شك أن ملامح استعادة الشارع العربي لقراره السياسي سيجعل أمرا كهذا قريب المنال بعيدا عن سطوة واشنطن ومنظومة الغرب التي تكرس مصلحتها من خلال سياسة laquo;فرق تسدraquo;.