وسام أبوالعطا

قد يتصور البعض ان مبارك يعيش اشد لحظات حياته ضعفا وهو يمثل امام القضاء على مرأى ومسمع من العالم من خلال شاشات التليفزيون ومواقع الانترنت وكأنه اسد عجوز جريح يرقد مجبرا خلف القضبان بعد ان كان يهز اركان الدنيا وهو يزأر غاضبا واعتقد ان الامر يحتاج الى محلل نفسى متمكن حتى يشرح لنا ما يمكن ان يجول فى خاطر مبارك ونجليه داخل القفص.

لحظة الضعف الحقيقية هى التى مر بها الشعب المصرى حينما تسمرت اعينه امام شاشات التليفزيون غير مصدقة ان من يمثل امام القاضى فى قفص الاتهام هو مبارك الرئيس الذى طالما طل على شعبه وهو فى عنفوان السلطة والتألق والقوة ومن حوله نجليه, ثمرتا حياته, يقفان بجانبه لا حول لهما ولاقوة بعد ان كانا من المقدسات التى لا يجب الاقتراب منهما.
الضعف هنا ليس مقصودا المعنى الحرفى له ولكنه ضعف المصرى حينما يغلبه حيائه, حينما يثنيه ادبه وخلقه, حينما ينتصر الانسان بداخله, حينما يغلب خيره شره, حينما تستيقظ بداخله حضارته وتاريخه العريق, حينما تنتصر جدعنته على كل قوانين الغضب.
لقد تعمدت ان اتفرس فى وجوه من حولى اثناء محاكمة مبارك, كما تعمدت ان اسجل كل ما يقال حولى من عبارات خاطفة فى الشارع, فى المترو, فى المقاهى وهى عبارات لم تخلوا من المعنى الدينى مثل (سبحان المعز المذل), ( ينزع الملك ممن يشاء ) ولم اضبط احد متلبسا بالشماتة او فرحة الانتقام, فالمصريون يحملون تعاطفا بين ضلوعهم ولكن السنتهم تنطق بمنطق العدل والقصاص, فمما لا خلاف عليه ان مبارك اخطأ فى حق شعبه ووجب عليه ان يدفع ثمن اخطائه, فلابد لنا ان نتخلص من نبرة الاب او الاخ الكبير التى يتندر بها المتعاطفون مع مبارك, فرئيس الدولة ليس ابا للمصريين وانما هو رئيس مسؤل عن امن و استقرار شعب باكمله ووجب عليه المثول امام القضاء اذا اهمل فى واجبه تجاه هذا الشعب.
يا شعب مصر العظيم, انت اقوى شعوب الارض, بل انت اجمل شعوب الارض, انت الرهان الوحيد والمضمون الذى يراهن عليه حكامه مهما فعلوا به ---- فمن حقك ان تتعاطف ولكن ليس من حقك ان تضعف اما مبارك واعوانه فلا اعتقد ان قفص المحاكمة هو الذى يخيفهم ----- ما يجب ان يخيفهم فعلا هو قفص التاريخ