يوسف البنخليل
حالة من الفوضى وعدم الاستقرار تعمُّ دول الجوار العربي، بدءاً من تونس ومروراً بليبيا التي سقط رئيسها مؤخراً، وكذلك مصر التي تحاكم رئيسها السابق، وصولاً إلى الرئيس اليمني الذي يمر بأزمة صحية بعد أن مرّت على بلاده أزمة سياسية وأمنية، وامتداداً إلى أقصى شمال الوطن العربي حيث تجري ليلاً ونهاراً جرائم ضد الشعب السوري الأعزل من قبل نظام البعث الحاكم المتحالف مع طهران. هذه الفوضى والاضطرابات السياسية الواسعة والممتدة من شمال البلدان العربية إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها ما تأثيرها في مثل هذا التوقيت على الأوضاع في البحرين، خصوصاً في ظل ظهور عدة مبادرات واستراتيجيات بشأنها من قبل أطراف إقليمية ودولية. بل وصل الأمر إلى سيادة القناعة بنظرية ''الدومينو'' في العلاقات الدولية التي ترى أن أي اضطراب يمكن أن يمتد للدول المجاورة بشكل تلقائي كقطع لعبة ''الدومينو'' إذا تم وضعها بشكل مصفوف على خط مستقيم أو أعوج، وذلك في إطار تحليل الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة العربية منذ نهاية العام الماضي. ولذلك هناك أطروحات ظهرت قبل سقوط النظام الليبي الحاكم، بأنه إذا انتهى النظام وسقط فإن الأنظار ستتجه صوب سوريا لتكون اليمن بعدها، وقد تنتهي أخيراً في البحرين بهذا الترتيب. لا يمكن أن نفهم الصراع الدائر حالياً والمعقد في ربيع العرب دون معرفة الأطراف الفاعلة فيه، ودون أن نعرف كذلك الأطراف المستهدفة منه. وهي معادلة أعتقد أنه من الصعب فهمها وتعميمها على جميع الدول التي اكتوت بنيران الربيع العربي. ولكن الطريقة الأسهل في التحليل هو تقسيم حالات الفوضى والاضطراب السياسي في البلدان العربية إلى قسمين؛ اضطرابات المغرب العربي، واضطرابات المشرق العربي. ومادمنا نتحدث عن البحرين، فإن ما يهمنا بكل تأكيد هو اضطرابات المشرق العربي التي تأثرت بها المملكة منذ فبراير الماضي. فيما يتعلق بالأطراف الفاعلة في هذه الاضطرابات فإنها تشمل طهران وواشنطن والرياض وأنقرة. أما بالنسبة إلى الأطراف المستهدفة من هذا الصراع العميق، فإنها بلاشك الرياض التي أعلنت غير مرة بلسان كبار قياداتها أنها تواجه تحدياً أمنياً من قبل طهران. وإذا كانت الرياض وأنقرة قد اتخذتا موقفاً صريحاً من الأزمة السورية، وهو موقف مناهض للحكم السوري الحالي، فإن هذا الموقف لن يتغيّر حتى تتحقق أهدافه. خصوصاً أن الموقف قائم، ليس بسبب القيادة السورية الراهنة، وإنما لأن تحالف دمشق ـ طهران هو المقلق، وهو الذي يقود حالة الاضطرابات في المشرق العربي بالتحالف مع أطراف إقليمية أخرى مثل بغداد وغيرها. وبتعبير آخر، إن إنهاء الحكم السوري الحالي يعني وقف امتداد النفوذ الإيراني وتيار ولاية الفقيه إلى الدول العربية. وبالتالي لا يمكن قياس الأحداث في اليمن بأنها ستكون بداية لحالة اضطرابات جديدة، رغم أن الربط بين استقرار النظامين اليمني والبحريني يعد استراتيجية إيرانية من الدرجة الأولى تهدف إلى إشغال الرياض وأنقرة عن أزمة دمشق. وبالمقابل، إن الأزمة المنتهية في البحرين تتأثر كثيراً بالأزمة السورية وليست الأزمة اليمنية، لأن الدور الإيراني كبير ولافت في الأزمة السورية باعتبارها طرفاً من الأطراف المؤثرة فيها. وبالتالي، فإن تقليص نفوذ طهران شمال الوطن العربي، يعني فصلاً جغرافياً لحزب الله اللبناني، ومن ثم إمكانية استهداف الحزب مستقبلاً سواءً من قبل قوى عربية أو حتى غربية. إضافةً إلى ذلك، إن الإجراءات التي اتخذتها المنامة تشير إلى تكوينها تحالفات إقليمية ودولية جديدة لضمان الأمن الوطني البحريني، ولذلك إذا كانت طهران تتحدث عن استهداف البحرين بعد اليمن، فإنه من المستبعد ذلك، بسبب اختلاف موازين القوى بعد أحداث فبراير الفائت، وقد تكون طهران هي الخاسر الأكبر من هذه التطورات بعد أن كشفت أجندتها، ومازالت تكشفها أكثر فأكثر. ومن المستبعد أن يكون هناك تقارب أو تطبيع خليجي ـ إيراني خلال السنوات المقبلة كما حدث في عهد الرئيس السابق سيد محمد خاتمي في تسعينات القرن العشرين. فالمؤشرات الحالية تشير إلى بدء تراجع نفوذ طهران في المنطقة العربية، ولكن ذلك سيظل مرتبطاً بحجم النفوذ الذي قدمته واشنطن لطهران للسيطرة على حكومة بغداد.
التعليقات