سليمان الخصاري
ثمة تعامل غير منهجي يتلمسه الباحثون في التعاطي مع الشأن البحريني، أسهم في تشكيله جملة من المعطيات المتأثرة باعتبارات طائفية وفئوية، جعلت من التماس مع الشأن البحريني عملا محفوفا بالخوف من الاتهامات الجاهزة والتصورات المسبقة، نظرا للنجاح النسبي في تصوير القضية البحرينية وقولبتها في بعد واحد ذي صبغة مذهبية، يمس في جوهره كل مشاكلنا وتخوفاتنا من الآخر المغاير ومسبقاتنا الفكرية والسياسية.
كحال الكثير من الثورات الراهنة في عالمنا العربي، كانت التحركات الشعبية في البحرين ذات زخم قوي مدفوعة بإرث تاريخي من العلاقة المرتبكة بين شريحة واسعة من الشعب هناك وبين الأسرة الحاكمة، نتيجة شعور عارم بالغبن على المستويين المعيشي والسياسي في إطارهما الأعم، الأمر الذي تجد أوضاعا شبيهة به - بدرجات متفاوتة - في معظم دول الخليج نتيجة الانفصام العميق بين مشروعي الدولة والحكم في تلك الدول، لكن الأمر يكتسي خصوصية معينة في الواقع البحريني نتيجة للحقائق الديموغرافية على الأرض والتي تجعل من تلك البلد استثناء من قاعدة الأغلبية العددية للطائفة السنية كما الحال في بقية دول الخليج الأخرى، الأمر الذي شغل بال النخبة الحاكمة فيه في ظل وضع يشبهه البعض بالهرم المقلوب من حيث توزع الثروة ومقدرات السلطة هناك.
ومن دون الخوض في تفاصيل تطور الحركة الاحتجاجية في ذلك البلد، وهو ما يستلزم بحثا آخر، الا أن المراقب لما وصلت إليه الأمور هناك في ظل حالة الاستقطاب الطائفي والمذهبي، لا يستطيع تجاهل ما أشرنا إليه في بداية هذا المقال من حضور التعاطي غير المنهجي في هذه القضية، والذي يتمثل في الخلط بين جانبين رئيسين للمشهد السياسي هناك، فمن زاوية هنالك الشق الخاص بالتصورات السياسية لطبيعة الصراع بين المعارضة والسلطة، وآليات الحراك السياسي الذي اتخذته المعارضة في الأزمة الراهنة، لكن الشق الأهم - في نظر كاتب هذه الأسطر - والذي يتم تجنب الخوض فيه من قبل الكثير من الباحثين في منطقتنا هو ذاك المتعلق بحقوق الانسان وما يرتبط بها من ضرورات ديموقراطية وحقوقية، يشترط تحققها في التعامل مع حركات الاحتجاج السلمي مهما جنحت لآفاق بعيدة في رفع مستوى خطابها السياسي والمطلبي.
هذا الخلط بين الشقين المذكورين للأزمة البحرينية، يقوم به العديد من مثقفينا، مدفوعين بتوجهات فئوية أو لارتباط هؤلاء بالتوجهات السياسية للنخب الحاكمة في منطقة الخليج، وفق عملية توظيف لما نعايشه من أزمة في العلاقة بين أطياف المجتمع المتعددة في بلداننا، من أجل الهروب للأمام والقفز على أسئلة ملحة تمس واقعنا السياسي والاجتماعي وتنعكس على مجمل منظومة الفعل الأخلاقي في واقعنا المهترئ.
ان مسألة الحكم في البحرين هي شأن داخلي بحريني خالص لا حق لنا في تقريره نيابة عن الشعب هناك، وهذه الحقيقة يجب فصلها عن الممارسة البحثية المشروعة من أي من المختصين حول آفاق الحل الأمثل في البحرين، فمقام التحليل السياسي لا يرتبط بالضرورة بخيارات الشعوب بقدر ارتباطه بمعطيات القراءة التفسيرية لواقع المشكلة وآفاق الحلول المتاحة.
لقد ارتكبنا كعرب ومسلمين في مسيرتنا في التاريخ الحديث من الأخطاء ما يكفي، إذ أدلجنا قضايا كان بالامكان تسويقها عالميا بشكل افضل إن تم طرحها كقضايا حقوقية تمس الحاجيات الأساسية للانسان في عصرنا الحديث.
هذه الحاجيات التي تشتمل على جملة الحقوق السياسية وغيرها، لكننا ركنا لما اعتدنا عليه من خطاب موجه ومتأثر بواقعنا غير المتعاف من أمراض طائفية واستبدادية وغيره، وقد آن الأوان أن نعيد صياغة منطلقاتنا المجتمعية وفق مرجعية إنسانية تؤمن بحق الانسان، أي إنسان، بالعيش الكريم والحرية، وهما الركيزتان الأساسيتان لأي عملية إصلاح سياسي أو مجتمعي قد تكتب لها النجاح في مجتمعاتنا، تلك المجتمعات التي مازال البعض فيها يرى كلمة كالحرية -ناهيك عن تطبيقاتها - مدعاة للشك العميق، وفي هذا تتساوى السلطة... والشعوب!
التعليقات