يوسف البنخليل
قد لا يهم كثيراً من البحرينيين موقف مرشد الثورة الإيرانية خامنئي تجاه أوضاعهم السياسية لأنهم ينظرون إليه بشكل متفاوت من أشكال العداء والكراهية بسبب السياسات الإيرانية القائمة على التدخل في الشأن المحلي. ولكنني أخالف هذا الاتجاه الرأي، فرأيه بالتأكيد من المهم متابعته، وتحليل قراءاته وأطروحاته بشأن البحرين رغم محدوديتها منذ بداية الأزمة في المنامة منذ فبراير الماضي. حتى نفهم موقف خامنئي أكثر لابد أن ندرك جيداً حجم المرجعية الدينية التي يمثلها لدى أنصار ولاية الفقيه لأنه يجسد بشخصه الولي الفقيه، وبالتالي يتمتع بدرجة من درجات العصمة أمام المرجعيات الدينية الأخرى. كان لافتاً منذ بداية الأزمة أن خامنئي لم يصدر موقفاً واضحاً إزاء الأوضاع في البحرين رغم حساسيتها وارتباطها بمصالح وفكر ولاية الفقيه في إيران. وكان الهدف من ذلك تفويض مسؤولي الحكومة الإيرانية القيام بهذه المهمة، وممارسة الضغوطات على المنامة من أجل دعم احتجاجات الشيعة من أنصار ولاية الفقيه في دوار مجلس التعاون الخليجي. والأهم من ذلك أن مرشد الثورة الإيرانية تفرغ لمهمة كانت أكثر خطورة من انشغاله بالاحتجاجات والاضطرابات السياسية والأمنية التي أثارها أنصار ولاية الفقيه في المنامة. ففي النصف الثاني بعد اندلاع ما سمي بـ (ثورة أو انتفاضة البحرين) طبقاً لإعلام ولاية الفقيه، ظهرت بوادر خطرة للغاية تتعلق باحتمال ظهور مظاهرات واحتجاجات في عدد من المدن العراقية، وذلك تأثراً بالثورات العربية الممتدة من تونس إلى مصر واليمن. وموقف المؤسسة الدينية الحاكمة في طهران -التي يقودها المرشد- دعم الثورات العربية لأنها ''تمثل صحوة إسلامية''، وستساعد على منح إيران مزيداً من النفوذ السياسي والاقتصادي مستقبلاً. وهو الموقف نفسه ينطبق على أحداث البحرين التي اعتبرتها طهران بأنها مشروعة، وذات مطالب شرعية. في الموقف نفسه ركّز المرشد الإيراني اهتمامه على منع قيام أية مظاهرات أو احتجاجات في المدن العراقية لأن ظهورها يمكن أن يؤدي إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار وبالتالي التأثير على امتداد النفوذ الإيراني في الأراضي العراقية. مما يعني خسارة كل الإنجازات التي تحققت لطهران في العراق والخليج العربي منذ انهيار نظام البعث الحاكم سابقاً في مارس .2003 ولذلك لم تكن البحرين في دائرة الاهتمام الأساسية للمرشد الإيراني، بل تم تكليف حكومة الرئيس نجاد بتولي هذه المهمة وإدارة هذه العلاقة ليتفرغ المرشد لشأن أكثر أهمية في إطار تبادل الأدوار القائم في النظام السياسي الإيراني. فماذا فعل المرشد؟ في 26 فبراير الماضي أوفد مبعوثاً خاصاً إلى مدينة النجف بالعراق لينقل فتواه الجديدة إلى فقيه حزب الدعوة آية الله مهدي الآصفي، وتتضمن هذه الفتوى تحريم التظاهر ضد الحكومة العراقية. كما طلب من المرجع الآصفي التحرك مع بقية المراجع الدينية الأخرى لمنع شيعة العراق من التظاهر ضد الحكومة العراقية. كما قام المبعوث أيضاً بلقاء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ليسلمه فتوى لآية الله الحائري بشأن حرمة التظاهر في الأراضي العراقية، وسبب تقديم فتوى الحائري هنا وليس خامنئي تقليد واتباع الصدر وأنصاره للمرجع الحائري نفسه. هنا يمكن ملاحظة التناقض في موقف المرشد الإيراني من التظاهر والاحتجاجات السياسية، ففي البحرين وتونس ومصر فإنه يجوز ''للمؤمنين'' التظاهر ضد الدولة والمطالبة بإسقاط النظام، ولكن في العراق تحديداً حيث توجد حكومة تمثل تيار ولاية الفقيه الإيراني لا يجوز ذلك ويتم تحشيد الفتاوى الدينية من المراجع العلمائية المختلفة من أجل تحقيق هذا الهدف. وهذا التناقض يشير إلى أن المرشد الإيراني ينظر إلى الدول التي تشهد احتجاجات سياسية سواءً من قبل الطائفة الشيعية أو حتى السنية بأنها احتجاجات مشروعة أو غير مشروعة طبقاً لنوع المصلحة الإيرانية والمصلحة المترتبة من امتداد نفوذ تيار ولاية الفقيه مستقبلاً. ولذلك فإن موقفه بشأن البحرين مؤيد للاحتجاجات التي برر شرعيتها لأنها بكل تأكيد ستساهم في مد نفوذ ولاية الفقيه أكثر فأكثر في الساحل الغربي للخليج العربي. أما موقفه بشأن العراق فإنه رافض للاحتجاجات التي برر عدم شرعيتها لأنها ستساهم في تراجع نفوذ ولاية الفقيه في الأراضي العراقية. من هنا أعتقد أن المواقف الإيرانية بحاجة إلى مزيد من تسليط الضوء والاهتمام خلال الفترة المقبلة، حتى يمكن التعرف على اتجاهاتها المستقبلية.
التعليقات