أحمد الجارالله

نجحت البحرين مرة أخرى, عبر الانتخابات التكميلية في إفشال المحاولات الايرانية الجديدة لزعزعة الاستقرار فيها, وذهبت أدراج الرياح كل الحملات التي شنها الاعلام الايراني وأبواقه في بعض القنوات الفضائية التي تبث من العراق ولبنان وبريطانيا في سرق الانظار عن الفصل الجديد في عملية البناء الديمقراطي التي أطلقها الملك حمد بن عيسى ال خليفة منذ سنوات.
الانتخابات التكميلية البحرينية الاخيرة تختلف بدلالاتها هذه المرة عن كل مثيلاتها السابقة لأنها أظهرت, وبكل هدوء, الحجم الضئيل جدا للذين حاولوا طوال الاشهر الماضية اختطاف قرار الشعب البحريني بالشغب وضجيج التظاهرات وإقفال الطرق والتعدي على الناس في سعي منهم الى استكمال تنفيذ المخطط التخريبي الايراني في المنطقة, ورغم أنهم استخدموا كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة, وأنفقت ايران الكثير من الاموال على حملة دعائية مغرضة انخرط فيها بعض البحرينيين الذين حملوا جنسيات بريطانية وعراقية وإيرانية وغيرها واحتموا فيها في أعمالهم الدنيئة تلك, الا ان حصاد كل ذلك كان الفشل الذريع, فيما استطاعت البحرين تجاوز المحنة بمزيد من الالتفاف الشعبي حول القيادة الشرعية باستفتاء لا مثيل له, في وقت كانت الملايين في ايران تبدأ ربيعها الخاص الذي يبشر بنهاية النظام, وما ينتظره من مصير مشابه لنظام معمر القذافي وغيره من الانظمة الاستبدادية نتيجة للممارسات القمعية والفتن وعمليات الاقصاء المتعمد لشرائح كبيرة من المجتمع التي حاكها نظام طهران طوال العقود الماضية.
أمس ذهب الناخبون البحرينيون, شيعة وسنة, الى مراكز الاقتراع باصرار كبير على إنهاء الحالة الشاذة التي تمثلت في بعض المخربين الذين أرادوا إعادة عقارب الساعة الى الوراء بأعمال صبيانية في بعض المراكز التجارية, لكن أصوات النشاز التي رفعت عقيرتها تهويلا وتهديدا طوال الشهرين الماضيين لم تستطع ثني المواطن عن ممارسة حقه الطبيعي والمضي قدما في مسيرة بناء الدولة الحديثة.
طوال السنوات الماضية عمل الملك حمد بن عيسى على إنجاز الكثير من الاصلاحات السياسية والانمائية, بل إنه قدم أكثر مما طالب به بعض الذين تستروا خلف شعار حق لنيل باطل, لكن هؤلاء أخذتهم العزة بالاثم ومضوا في غيهم يعمهون الى حد مطالبة أحدهم بجمهورية اسلامية, وآخر هدد, على طاولة الحوار الوطني بالاستعانة بالجيش الايراني. كما استخدموا خطابا فتنويا لاثارة الشقاق بين أبناء الشعب الواحد, الا ان كل هذا لم يفت في عضد القيادة البحرينية عن مواصلة مسيرتها الاصلاحية, وحرصها على التواصل الدائم مع الناس, وقد تجلى ذلك بحجم الالتفاف الشعبي حول رجل الدولة الحكيم الأمير خليفة بن سلمان عندما زار بعض المناطق التي تعرضت لاعمال مخلة بالأمن ارتكبها مشاغبون ضد بلدهم تنفيذا لاوامر دولة أجنبية.
لا شك ان الانتخابات التكميلية كانت ترجمة للديمقراطية الحقيقية لأنها أثبتت بالدليل الملموس كيف يمكن للغالبية ممارسة دورها في صناعة القرار الوطني, وعدم الاذعان لمحاولات الابتزاز التي تمارسها أقلية اتخذت من الفجور السياسي طريقا لها, وبذلك قدم الشعب البحريني صورة حضارية للعالم تجسد قيم الانتماء, كما أنها تؤكد عزمه على صياغة مرحلة مهمة من تاريخ بلاده قوامها المشاركة وبكل أشكال العصرية في استكمال بناء الديمقراطية التي تنعم بها مملكة البحرين.