محمد خليفة

يذهب عام، ويطل علينا عام جديد، ويودع البشر الكثير من الأحداث والتطورات، والأمل يحدونا بأن يكون هذا العام عاماً مضيئاً ومشرقاً على هذه الأمة، ولكن ثمة منظومة من التحديات التي تفرض نفسها على حاضر العرب، بينما يصل سكان العالم إلى 7 مليارات في نهاية هذا العام كذلك يصل سكان الوطن العربي إلى 4 .367 مليون نسمة أي ما نسبته 3 .5 من إجمالي سكان العالم . وبالإجمال توفي 74 مليار إنسان، تقريباً، في آخر 500 ألف سنة فقط . واليوم نحن البشر نستقبل عاماً جديداً، ولا بد أن نتوقف طويلاً أمام هذا السر الكوني، ونبدأ بالنظرية القائلة إن الكون بكل ما فيه من مجرات ونجوم وزمن نسبي بدأ بانفجار ذري عظيم قبل 14 مليار عام، لندرك أن مدبر هذا الكون العظيم هو الله وأن البشر أمامه يحيون لأداء رسالة، وأن هذه الرسالة تقود إلى الخير والمحبة وإلى التقدم الإنساني .

العام 2012 لن يكون عاماً عادياً شئنا أم أبينا . العالم يتغير والعالم العربي يسير في نفس الاتجاه، والأمة العربية اليوم مضطربة التصورات والأوضاع في هذا الخضم الهائل من الحركة والتبدلات التي تربط بين ظواهر الكون، وهذا الإنسان في خلقه وتركيبه على هذا النحو الفائق سواء في تكوينه الجسماني البالغ الدقة والتعقيد، أم في تكوينه العقلي وخصائصه الروحية . ويبدو أن من خلال هذا الكائن البشري سيحمل هذا العام الكثير من القلاقل . فما يحدث في العالم من وقائع مثيرة للانتباه، تعدّ مؤشراً إلى مستقبل التغيرات الكلية المتوقعة . هذا التغيير الجارف الذي لا يكاد يستطيع أحد إيقافه بعد عام مضى خلّف وراءه آلاف القتلى والجرحى، ومثلهم من المشردين في بعض الدول العربية .

ولكن التوقعات في هذا العام أن يتم إعادة تشكّل الأوضاع في هذا المشهد الكوني على صعيد العلاقات الدولية، وبروز تحولات كبيرة في المعطيات الجيوستراتيجية على الصعيد الكوني . ويمكننا ملاحظة تحول بارز في مراكز الاهتمام الاستراتيجي لدى القوى الفاعلة في هذا المشهد الجديد .

هناك دول قد ترتفع مكانتها الجيوسياسية، فيما تتقلص هذه المكانة في بقاع عديدة في العالم، والمتعلقة بقضية السيادة، تحديداً انطلاقاً من معطيات ما بعد الحرب على العراق، وتغيير الأنظمة في ليبيا ومصر وتونس، وربما أمكن الوقوف على نوع من الإجماع على حقيقة أن الدولة الحديثة والمنظومة الدولية، قد تعزز الكيانات السياسية التي أسهمت في رسم مستقبل هذه الدول على صعيد التفاعلات والتحالفات، وبالأخص في المناطق العربية الملتهبة بالصراعات الأهلية، مثل الصراعات المحلية في السودان والصومال .

والمتأمل حقيقة هذه الصراعات يدرك أنها صراعات حروب - بالوكالة، لقوى عظمى خارجية تلعب بالطرفين لتحقيق مصالحها في هذه البقعة البعيدة عنها جغرافياً، ولكنها تقع في بؤرة نفوذها الاستراتيجي، وقد تستخدم هذه القوى المؤسسات الدولية - كمنظمة الأمم المتحدة - لتحقيق مآربها في تلك الصراعات، وذلك باستخدام حق (الفيتو) . ولذلك لم يعد مقبولاً - وفقاً للمبادئ الرئيسة التي قامت عليها الأمم المتحدة وهي الحرية والعدالة - أن ينفرد بحق الفيتو عدد محدود من الدول (خمس دول)، بينما يُحرم سائر الأعضاء الخمسة عشر، أعضاء مجلس الأمن من هذا الحق، لذا يدور الحديث عن تعديل بعض بنود مجلس الأمن بما يتوافق وتشكيل النظام الدولي الجديد، وفق قوانين هادفة إلى تعزيز السلم وتحاشي الحروب، وكذلك سيتم العمل على تفعيل سيادة القانون من خلال محكمة العدل الدولية لتصبح المحكمة حامية للعدالة، ولردع الطغاة عن مواصلة ارتكاب مجازرهم بحق الإنسانية، وبعد أن أصبحت صلاحيات هذه المحاكم تمتد إلى خارج الحدود الإقليمية لأي دولة، وأصبحت سيادة القانون قضية عالمية، تلاشت بسببها الحدود الجغرافية والقانونية . وقد طُبقت هذه العدالة من قبل في ملاحقة مجرمي الحرب في البوسنة والهرسك، ويخضع الآن لهذه المحاكمات الخاصة بجرائم الحرب الديكتاتور لوران غباغبو الرئيس السابق لساحل العاج عندما تم تسليمه إلى القضاء في محكمة العدل الدولية في لاهاي . وتطال القائمة أشخاصاً آخرين من الذين تورطوا بارتكاب جرائم كالتعذيب المتعمد والمجازر ضد الإنسانية، وقاموا باغتيالات وخطف، ستتم محاكمتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وهذه الجرائم عامة وشاملة ولا تسقط بالتقادم، وسوف يُسأل عنها مرتكبوها أمام محكمة العدل الدولية . هذه المحاكمات والملاحقات جعلت الطغاة المستبدين غير مطلقي التصرف، بل تُقيد سلوكهم مبادئ إنسانية عامة، يحميها نظام دولي قادر على تخطي الحدود، وتجاوز الزمن لتطبيق العدالة .

وفي العام ،2012 سوف تتسع فكرة الحرية والديمقراطية، وتأخذ مداها في وطننا العربي من جانب قوة الشباب الفاعلة التي تتشكل منها قيادات شبابية صالحة تعمل على إزاحة ركام الماضي، وكسر ما يحيط به من حواجز تشمل كل الوجود الإنساني، وجعل المؤسسات الاجتماعية والسياسية تابعة للناس، وليس الناس تابعين لها . وبهذا التصحيح سوف يعثر الإنسان على نفسه، ويكتشف قدراته من خلال المحافظة على كل القيم والمفاهيم والمبادئ التي تقوم عليها الحضارة المعاصرة حول أولوية الإنسان، واحترام خياراته، وحفظ كرامته، وتأمين مستقبله، وجعله صانعاً للقرار، ومشاركاً في بناء الحاضر، وصنع المستقبل، وجعله غاية للسلطة وليس وسيلة لها . وذلك بالإرادة القوية التي تساعد على اجتياز الماضي المرير إلى حاضر أجمل وأوضح، والحلم بمستقبل يتجاوز من خلاله عادية الحاضر وتقليدية صورته، ولتصبح الكثير من القضايا المغلقة قضايا تداولية، بفكر يعتمد على الانفتاح نحو الآخر بثقافة حقيقية وصحيحة وثابتة وعميقة في جماليات الزمن القادم .

فالشباب هم من يصنعون حاضر أمتهم ومستقبلها، ويطرحون أنفسهم بكل قوة، ويسجلون حضوراً كبيراً في صنع المستقبل الأفضل والتقدم الأوفر في هذا العام، وبصورة أكثر تحديداً شباب مصر وتونس الذين صنعوا هذه التحولات السياسية الكبيرة، ويعملون باحترام نحو التنمية السياسية والاجتماعية التي تؤدي إلى مرحلة جديدة تتلاءم مع ما يجري من متغيرات في العالم من حولهم . وهو الموقف الذي ينبع من النظرة الشاملة إلى العالم التي تجسد التسامح مع الآخر، وإعلاء قيم الحريّة والعدالة واحترام حقوق الإنسان .