علي الخشيبان
لن يكون من الصعب التنبؤ بالمشكلة العالمية التي سوف تنفثها أزمة مضيق هرمز فمن الواضح أن هناك لعباً بالنار من الجانب الإيراني الذي يبدو انه يتصرف وفق منطق انتحاري فعندما تعلن إيران عن عزمها إغلاق المضيق كنتيجة طبيعية لإحساسها بالخنق العالمي فإن ذلك مؤشر سلبي على رغبة في الانتحار السياسي.
وكما يقول ابن خلدون التاريخ خير الوعاظ والناصحين وهذا صحيح ولكن النقطة الأخطر في هذا الموضوع هي كيفية قراءة التاريخ فقراءة التاريخ أهم عنصر للاستفادة من وعظه ، والشعوب والحضارات تدرك أن التاريخ خير الواعظين ولكنها تفشل في قراءة صحيحة لهذا التاريخ..
ونحن في عالمنا الإسلامي وخصوصا في شقه السياسي نعاني من هذه الأزمة، ففي ثقافة مجتمعاتنا العربية والإسلامية ندرك الكثير من الحقائق التاريخية ولكن ما يخوننا هو أسلوب تفسيرها وقراءتها.
يوم الثلاثاء الماضي وبحسب صحيفة (هآرتس) قال رئيس الاستخبارات الإسرائيلية quot;الموسادquot; أمام مستمعيه من سفراء لدولة إسرائيل بأن إيران لن تكون خطرا على إسرائيل quot;ولن تكون تهديدا وجوديا عليهاquot; هذا الاتجاه في السياسة الإسرائيلية ليس خطأ في السياسة الإسرائيلية التي لن تتحول أو تتنحى عن اعتقادها الدائم بأن امتلاك إيران لقنبلة ذرية هو خطر حقيقي عليها وكل ما أخشاه أن تفهم إيران هذه الرسالة بشكل خاطئ.
بعد هذا التصريح من إسرائيل والتصريح الذي أطلقه احد المسؤولين الإيرانيين بنية إيران إغلاق مضيق هرمز وتحديدا بعد تصريح رئيس الموساد بيوم واحد يكشف لنا عن آليات قراءة التاريخ إما بشكل صحيح أو خاطئ : إيران تتقبل الطعم الإسرائيلي وتتصرف بكل غياب عن تفاصيل قضية إغلاق واحد من أهم الممرات البحرية في العالم.
نتنياهو يصف إيران دائما بأنها خطر على الوجود الاسرائيلي في المنطقة وبينما يمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي بالصنارة استعدادا لرميها في المياه وقد أوكل مهمة وضع الطعم ونوعه لرئيس استخباراته الذي أشهد أكثر من مئة سفير حضروا بأنه وضع الطعم في مكانه الصحيح وبنفس الكمية القادرة على اصطياد اكبر سمكة تسبح في تلك المياه.
في صحيفة معاريف الإسرائيلية أيضا يصف رئيس الأركان موقفه من السلاح النووي الإيراني بأنه يجب أن يُحظر على إيران امتلاك سلاح نووي ، هذا موقف إسرائيل التي تشعر بالخطر على وجودها من مجرد تفكير إيران بامتلاك سلاح نووي سيكون رد فعلها قويا وصارما ولأن إيران تدرك التاريخ ولكنها لا تحبذ قراءته بشكل صحيح إما جهلا أو عمدا فسيكون اصطيادها في مياه الخليج العربي أسهل من اصطيادها فوق الصحاري الإيرانية .
القوة العالمية من الدول الفارطة القوة كالولايات المتحدة أو بريطانيا وغيرهما لن تسمح بوجود عود ثقاب بجانب النفط العالمي في منطقة الخليج فهي منطقة تهم العالم كله وتهم المنطقة كلها ولذلك فدول الخليج سيكون لها موقف صارم تجاه الأطماع الإيرانية في المنطقة، ولن تسمح كما يبدو من اتجاهات المسار السياسي الخليجي بأن تهدد المنطقة في منتجاتها النفطية أو سيادتها الدولية على الخليج العربي.
في إيران يتم قراءة التاريخ بشكل عكسي تماما فمقولة التاريخ يعيد نفسه صحيحة ولكن صورة الإعادة هي المحور في القضية ، فالتاريخ يعيد صيغة الأحداث ولكنه لا يعيد مقوماتها فالتاريخ مهما كانت المقومات في أحداثه فهو يعيد النتائج ذاتها، بمعنى دقيق إيران التي تسعي لكتابة مجد فارسي تحت ذريعة أيديولوجيه يظلم فيها أتباع المذهب الشيعي الأبرياء من وهم إيران الفارسية.
هذه الإيران لابد من تذكيرها بأن الفكرة الفلسفية الفارسية لايمكن أن تتماثل مع فكرة إسلامية عبر المذهب ولن تستطيع إيران أن تجمع بعدا عرقيا وتخلطه ببساطة في بعد أيديولوجي متنوع الأتباع عرقياً حتى وإن تكفلت بحمايته ، لذلك هذه أول مؤشرات القراءة غير الدقيقة للتاريخ.
التاريخ يقول دائما إن السلاح في يد غير العقلاء أو الذين يمكن أن تستثار عواطفهم مناظر البكاء أو اللطم السياسي ، هذا السلاح يصبح خطراً فلذلك تبذل الجهود لكي يتم الوقوف بجد أمام امتلاك إيران للسلاح النووي ليس من القريبين من إيران ولكن من كل دول العالم لأن المنطقة لا تحتمل وجود غير العقلاء حتى وإن كانوا أعداء فيما بينهم.
السؤال المهم لماذا إيران تفعل كل هذا، وما علاقة سورية ولبنان والعراق بذلك...؟
إن ارتباك الوضع في سورية يماثل هزة أرضية تمتد بحركاتها المرتدة إلى كل المواقع القريبة منها ، ولكن المفاجأة أن تكون إيران هي الراغبة في تلقي الضربة القاضية دولياً قبل غيرها فهل أدركت إيران أن النظام السوري قد حسم أمره دوليا وأن العراق لم يعد تحت سيطرتها، وأن حزب الله يبحث عن انتحار في مناسبة دينية لكي يكتب شهيدا.. كل هذه الاحتمالات قائمة ولكن أصعبها تحملًا هو لماذا إيران تريد أن ترى جنازتها فوق مضيق هرمز قبل أن تعد توابيت أتباعها في سورية والعراق ولبنان ..؟!
إيران تتلقى درسا قاسيا في العقاب الدولي كنتيجة طبيعية لمشروعها النووي في منطقة لا تحتمل عود ثقاب جديداً حيث تدخل فيه المنطقة نحو منعطف يشعل حرباً دولية جديدة والتهديد الإيراني نحو إغلاق مضيق هرمز يأتي في صفقة تهديد خاسرة للعالم إذا ما عوقبت إيران بعدم التزامها بإيقاف برنامجها النووي، ومع كل ذلك تهدد بإطلاق صواريخ بعيدة المدى في مناورتها البحرية سعياً منها بأنها ستكون نداً عسكرياً.
القيادة الإيرانية وخصوصا العسكرية والجيش يدركون أن كل أسلحة إيران التقليدية سوف تصبح كلعب الأطفال ومسدساتهم أمام القوة العسكرية الدولية التي لن تستغرق كثيراً حتى تقضي على كل ما هو قطعة بحرية إيرانية وقد لا يحتمل ذلك ساعات في حال كانت إيران تريد قراءة التاريخ على هواها ولعل أفضل مقولة يمكن أن يهديها العالم لإيران في هذه اللحظات قد تكون وداعاً لانني كما اعتقد أن أمر إيران قد حسم هو الآخر مع النظام السوري إذا لم يكن هناك تراجع حقيقي عن برنامجها النووي..
التعليقات