إياد الدليمي
لا أريد أن أستبق الأحداث وأتهم لجنة المراقبين العرب بحياديتها ونزاهتها، ولكن في الوقت ذاته لا بد من الإشارة إلى مكامن الخلل التي وقعت فيها اللجنة منذ يومها الأول مما أفرغها من محتواها، حتى صار يخيل للبعض أن من طلب اللجنة هو النظام السوري، ليؤكد أنه يواجه عصابات مسلحة وليس الشعب السوري الذي يذبح ليل نهار منذ منتصف مارس العام الماضي.
ولعل بداية عمل اللجنة وما تسرب منها من تصريحات، سواء صدقت أو أنها فبركت من قبل البعض، يشي بأن هذه اللجنة لم تكن مهيأة أبدا للولوج في الأزمة السورية، ولعلنا نشير هنا إلى ذاك الضعف الواضح والصريح حتى في الاستعداد اللوجستي لأعضاء اللجنة، فهل يعقل أن لجنة ذاهبة لتقصي الحقائق حول ما يجري في بلد ما لا تحمل سوى هواتف محمولة تعتمد عليها في التصوير؟
هل يعقل أن لجنة تذهب لتقصي حقائق ما يجري في بلد ما لا تحمل حتى ورقة أو قلم؟ هل يعقل أن لجنة تذهب إلى بلد يشهد نحو 40 ضحية يوميا كمعدل ولا تملك سيارات خاصة تنقلها حيث تريد هي لا حيث يريد النظام؟
يقول صديق من داخل سوريا تنقل مع بعض أعضاء اللجنة في بعض مناطق ريف دمشق، إن أغلب أعضاء اللجنة يحجمون عن دخول مناطق منكوبة بعينها، ناهيك من قيام النظام بمحاصرتهم بعدد كبير وبشكل مستمر ممن يدعون أنهم من مؤيدي النظام، تقودهم جماعة تطلق على نفسها laquo;بصمة وطنraquo; تم تشكيلها من قبل أحد الأجهزة الأمنية في دمشق، مهمة هذه المجموعة هي الوقوف أمام الفندق الذي يقيم فيه المراقبون، وما إن يخرجوا حتى يبدأ هؤلاء laquo;المنحبكجيةraquo; -على رأي أهل الشام- بعرض قصص ملفقة عن جماعات مسلحة وإرهابية.
الأدهى من ذلك، أن أغلب تحركات المراقبين تتم بمرافقة من قبل عناصر قوات الأمن السوري وتحديدا المخابرات، وهو الأمر الذي أدى إلى عدم خروج العديد من أهالي الضحايا والمتضررين لمقابلة أعضاء اللجنة خشية من هذه الأجهزة الأمنية المرافقة.
مرة أخرى أقول وأعيد وأزيد: يجب أن نحسن الظن بالمراقبين العرب، فمهمتهم ليست بالهينة، وهم يتعاملون مع واحد من أعتى الأنظمة القمعية، ولكن هذا لا يمنع أن نرصد العيوب وأن نشير للثغرات، حتى لا يتحول هؤلاء المراقبون إلى أشباح، ينظرون إلى الحقيقة بعين عوراء.
الخشية كل الخشية من أن تتحول مهمة هؤلاء المراقبين ليس لتقصي الحقائق وكشف حقيقة ما جرى في سوريا طيلة 10 أشهر ماضية، وإنما لمحاولة يستغلها النظام للبقاء فترة أطول في سدة الحكم، وأيضا فرصة لإيقاع المزيد من القتلى، ناهيك من عملية استرداد الأنفاس التي يحاول أن يلعب عليها النظام بعد أن وصل إلى مرحلة الانهيار قبيل دخول المراقبين العرب.
الجيد إلى الآن بمهمة المراقبين العرب، أن هناك تناقص ولو بسيط في أعداد الضحايا من المدنيين، ولكنه تناقص يرتفع كلما غابت أعين المراقبين العرب، والجيد أيضا أن سوريا وبثورتها المباركة أسست قاعدة جديدة لتعامل الجامعة العربية مع الأنظمة القمعية، وصار لدى الجامعة خبرة ميدانية في التعامل مع أحداث كالتي تقع في سوريا، وهي خطوة على الجامعة أن تفعلها، وأن تخصص جزءا من ميزانيتها لإعداد فرق مراقبة ميدانية قادرة على الولوج في مناطق الصراع لرصد الحقائق بعيدا عن توجهات الأنظمة.
وعلى ذكر الأنظمة، ساءني ما صدر من بعض المراقبين العرب من تصريحات، جملت قبيح النظام، وكأنهم لسان حال حكوماتهم المتعاطفة مع نظام الأسد، وأعتقد أن على اللجنة العربية المكلفة بسوريا أن تبادر في اجتماعها المقبل يوم السبت إلى إعادة النظر وبأسرع وقت ممكن في العديد من الأسماء التي أثير حولها الجدل، سواء بشأن تصريحاتها أو بسبب تعاطيها الفوقي مع الشعب السوري الصابر.
نظام بشار الأسد يناور، ووجد ضالته في بعثة المراقبين، وبالتالي فإن على الجميع أن يتعامل بحزم مع نظام استباح دماء شعبه، وأن تنحاز الأنظمة العربية عبر جامعتها، وأيضا عبر مراقبيها إلى الحق وصوت العقل، وأن لا تدع القاتل يفلت بجرمه، فالتضحيات التي قدمها الشعب السوري كبيرة وكبيرة جدا، ولا نملك أمامها إلا أن نقف باحترام لهذا الدم الطاهر.
التعليقات